للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثالثاً: بعد أن أشار الدكتور إلى جمعية المعارف السابقة وأنها لا ترجع إلى أبعد من سنة ١٨٦٠ قال ما نصه: (إلا أن حركة البعث أقدم من ذلك بكثير فهي لم تنتظر تكوين الجمعيات لتبدأ، ولعل انتشار الأفكار الأوربية بفضل أعضاء البعثات كان من أهم الدوافع لهذا البعث، فرجل كرفاعة الطهطاوي قد فطن بلا ريب أثناء إقامته بفرنسا إلى أن النهضة الأوربية التي رآها قد ابتدأت بحركة بعث قوية للآداب القديمة لاتينية ويونانية، ولهذا كان يؤمن بأن نهضة بلادنا لا يمكن أن تعتمد على النقل عن أوربا فحسب، بل يجب أن تعني إلى جانب ذل ببعث القديم العربي)

وإن البعث قد بدأ قبل رفاعة الطهطاوي وليس الدافع إليه انتشار الأفكار الأوربية أولاً بل الدافع الأول الحاجة إلى ترجمة الكتب عن اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، فليس انتشار الأفكار الأوربية من أهم الدوافع إذ ذاك ولا هو منها في شئ. والترجمة بدأت على التحديد في سنة ١٨٢٧، وهي السنة التي أسس فيها محمد علي باشا مدرسة الطب في أبي زعبل وجلب لها الأساتذة ما أوربا وأسند رياستها إلى الدكتور كلوت بك. وكانت اللغة الشائعة إذ ذاك قد وصلت إلى منتهى ما قدر لها من الانحلال والتهافت بعد أن وسعت كل ما قدم لها من المعارف زمن الدولة العباسية، كما كانت العلوم التي تدرس بمدرسة الطب قد نضحت في الغرب فناءت العربية الشائعة عن حملها إلى الطلبة الذين كانوا - من مصريين أزهريين وغير مصريين - عاجزين فهم ما يدرس لهم باللغات الأوربية، وكان الأساتذة لا يعرفون العربية ولو قد عرفوها كما كانت في عهدهم لعجزوا لقصورها وقصورهم عن إفهام طلبتهم ما يريدون، لذلك اضطر محمد علي إلى إحضار المترجمين من السورين والمغاربة والأرمن ليترجموا في الفصول ما يقول الأساتذة فيها بلغاتهم الأجنبية إلى العربية كيما يفهمه الطلبة. وليترجموا أيضاً ما يؤلف الأساتذة لطلبتهم من الكتب في الطب البشري والبيطري والتشريح والأقراباذين، وعلم وظائف الأعضاء، ولما كانت العربية المعروفة عاجزة عن الترجمة اضطر المترجمون إلى الاستعانة بما وضع العرب قديماً من مفردات فنية، وبهذا بدأ بعث القديم في مصر. قلت في مصر لأنني أقيد نفسي ببعث القديم والترجمة في مصر وحدها اعتماداً على أن الدكتور لم يتعرض لها في غيرها في مقاله بعث القديم، مع ملاحظة مقاله السابق (مصر الإسلامية) (الرسالة العدد ٥٧٠)، وإن كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>