للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شأنه أن يخلع على تلك التوكيدات الإنكارية (إن صح هذا التعبير) قوة ووجاهة؛ ومن ثَمَّ فقد سيطرت على الناس وأثرت في عقولهم تأثيراً كبيراً. فهؤلاء الذين يؤخذون بسحر العبارة وموسيقية اللفظ، قد وجدوا في عبارات نيتشه التوكيدية الحاسمة، لذة كبرى لا عهد لهم بها في كتب الفلاسفة. وهؤلاء الذين يولعون بالغريب الشاذ، ويعشقون النادر غير المألوف، قد وجدوا في كتب نيتشه ما لا حصر له من الغرائب التي تستثير الإعجاب وتبعث على الدهشة. ولكن هذا وحده لم يكن السبب الوحيد في إقبال كثير من الناس على قراءة كتب نيتشة (التي أخذت تنتشر ويعاد طبعها) بل إن ثمة سبباً آخر أعمق من ذلك، وهو أن نيتشه قد نادى بمذهب فردي أرستقراطي، أراد به أن يهدم كل أخلاق وكل دين. فالروح الإنكارية التي كانت سائدة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل هذا القرن، قد وجدت في نيتشه تعبيراً قوياً عن الحاجة التي تشعر بها. وهل كانت رسالة زرادشت في الحقيقة، إلا دعوة صريحة مؤدّاها (العودة إلى الوثنية الأرستقراطية): وهل كان نيتشة إلا (بكال الوثنية) كما قال هافلوك إليس بحقّ؟

زكريا إبراهيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>