للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قبر أبي العلاء المعري]

للأستاذ صبحي الياسيني

كان يوم الجمعة في الثالث من ربيع الأول عام ٤٤٩ للهجرة، حين حضرت أبي العلاء الوفاة، وانطفأت تلك الجذوة المتقدة يوما مشهودا عند أهل المعرة، إذ وفد إليها غير الفضلاء والعلماء والخلق الكثير، أربعة وثمانون شاعرا، وقفوا حين مواراته الرمس يرثون عبقريته الفذة وعلمه المضيع

واليوم وقد انقضي ألف عام على مولده يعيد التاريخ نفسه فيقف مثل هذا العدد وأكثر منه من الشعراء والأدباء جاءوا من أقاصي البلاد على قبره ليستعيدوا ذكرى صاحب هذه الشعلة المتقدة التي مرت عليها القرون فما زادتها إلا وميضا واستعاراً.

والمعروف أن جثة المعري نقلت إلى ساحة لإحدى دور أهله ودفن بها، وهي واقعة في الطرف الغربي من المعرة، وقد كانت هذه الدار في عهده على ما يظهر من انقطاع آثار البناء ووجود القبور الأثرية بتاليها من الجهة الغربية، واقعة في أقصى البلدة باتجاه الغرب، وكانت قبور أهله وبني عشيرته وتلامذته قبل إنشاء الضريح الحالي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم، إلا إنه كما حجب اسمه أسماءهم وفضله فضلهم في حياته، كالشمس إذا ظهرت غاب كل كوكب؛ فكذلك حجب قبره قبورهم، واضطر المهندسون الذين قاموا بتشييد الضريح إلى إزالة القبور الواقعة بجوار قبره، وحفظت حجارتها وشواهدها في حديقة خلفية لضريح أبي العلاء.

يروي التاريخ أن أبا العلاء أوصى أن يكتب على قبره البيت التالي:

هذا جناه أبي عليّ ... وما جنيت على أحد

وهذا البيت ليس له وجود على قبره ذي الكتابة الكوفية المشجرة، ولا يوجد على شاهد الضريح سوى الكلمات التالية: (هذا قبر أبي العلاء بن عبد الله بن سليمان). وقد محا الزمان كلمات: (هذا قبر أبي)، وكتب على ظهر الشاهد: رحمة الله عليه. وقد وجد بجوار ضريحه حجر مستطيل الشكل بقياس ٥٠ ٣٠ مسطر عليه هذان البيتان بخط ثلث حديث:

قد كان صاحب هذا القبر جوهرة ... نفيسة صاغها الرحمن من نطف

عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردَّها غيرة منه إلى الصدف

<<  <  ج:
ص:  >  >>