للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومساواة أحكم مما نحن فيه الآن. ولكنك تنظر فترى التبلبل في وسائل ما يحقق هذا النزوع، وقد أتلفت الشهوات حقائق الأشياء. فالخصومات السياسية وبالأصح الخصومات الشخصية قد أوشكت أن تعمي عن الأمة الحقائق. ونحن في الواقع أمام ثلاث مشاكل لكل منها حلها الواضح: مشكلة الاستغلال السياسي، ومشكلة أثرياء الحرب، ثم مشكلة الظلم الاجتماعي المزمنة المتأصلة، وتلك الأخيرة هي التي يجب أن يجتمع حولها تفكيرنا المذهبي، وأما الظاهرتان الأخريان فعارضتان، ومن حق أمة تحترم نفسها أن تحسمهما بالعمل العادل لا بالتلطيخ المزري. فإذا كان هناك استغلال سياسي قد حدث فأمامنا قضاة ومستشارون لا زالت الأمة تأمل فيهم الخير ومن حقها عليهم أن يقولوا في هذا الاستغلال رأيهم فإما براءة وأما إدانة، وفي كلتا الحالتين ستبرأ كرامة هذه الأمة البائسة. ومن الواجب أن نذكر الجميع بأن الاستغلال السياسي لا يمكن أن يكون السبب الوحيد في إثراء البعض وافتقار الآخرين فنحن الآن في حرب عالمية طاحنة قد غيرت من كافة وسائل الإنتاج والتجارة، وفي جميع أنحاء العالم وفي جميع أطوار التاريخ قد صحبت الحروب دائماً أكبر الاضطرابات الاجتماعية، فآلاف من الصناع والتجار بل والعمال قد أثروا دون أن تكون لهم بهذا العظيم أو ذاك صلة قرابة أو نسب، ونحن بعيدون عن أن ندعو إلى الرفق بهؤلاء المثرين الذين امتصوا دماء الشعب، ولكننا ندعو إلى إجراءات عامة تتناول الجميع كما يفعلون بالبلاد المتحضرة بدلاً من أن نقف عند شخص أو أشخاص بذاتهم متخذين منهم هدفاً لصغائر أحقادنا. إن من حق هذه الأمة أن يحاسب جميع أثرياء الحرب عن ثرواتهم وأن يرد ما اكتسب منها بغير وجه مشروع إلى خزانة الدولة. ولا يرهبنا في شيء أن ننادي بفرض ضريبة مستغرقة على رؤوس الأموال التي جمعت أثناء هذه الحرب، وأما ما سمعناه من فرض ضريبة على الأرباح الاستثنائية فتلك في الحق مهزلة. الواجب هو أن ترد رؤوس الأموال ذاتها لا أرباحها الخارقة، ترد من الجميع، لا من هذا الوجيه أو ذاك فحسب، وذلك أكرم على هذه الأمة وأعدل في النظر الإنساني السليم مما نغرق فيه اليوم من مهاترات. وهاتان المشكلتان بعد عارضتان كما قلنا، وما ينبغي أن تصرفانا عن المشكلة الكبرى، مشكلة العدالة الاجتماعية بين الطبقات. فهذه هي الفكرة المذهبية التي لابد للأمة من التعلق بها، وسبيل علاجها أيضاً هو التشريع وإصلاح نظامنا المالي والأخذ فيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>