للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تبارك رزاق البرية]

للأستاذ عباس محمود العقاد

ذهبت لرد الزيارة لضيف نابه من ضيوف مصر ينزل بفندق كبير من فنادق مصر الجديدة، وكانت الليلة ليلة الأحد والسهرة سهرة راقصة في ساحة الفندق الكبير، فجرى ما لابد أن يجري في هذا المقام من حديث الحرب وملاهي الحرب وأغنياء الحرب وبذخ هؤلاء الأغنياء وحداثة نعمتهم في البذل والعطاء، والروايات في ذلك كثيرة تضيق بها صحائف الإحصاء

منها أن بعض هؤلاء الأغنياء دخل الفندق ومعه زميلة يريد أن يراقصها فاتفقت نهاية العزف الموسيقي في ساعة دخوله، فنادى بأعلى صوته على رئيس الفرقة (فوكس تروت. فوكس تروت)، واستجيب النداء في الحال، لأن رئيس الفرقة على ما يظهر كان من عارفيه ومن طلاب عطاياه

فما هو إلا أن فرغ من رقصته التي لا يحسنها حتى دعا الخادم فأعطاه ورقة بعشرة جنيهات يوصلها إلى الرئيس المستجيب، وورقة بجنيه واحد مكافأة للخادم على مشقة التوصيل!

ومن تلك النوادر أن غنياً (حربياً) آخر أفرغ جيبه في ميدان السباق من ورق لا يحصيه ولا يهتم بعده، تعويضاً لزميلة له عن خسارة زعمت أنها قد منيت بها في بعض الأشواط، وهذه الزميلة لا تذكره بين أترابها إلا باسم (الحمار)

ومن تلك النوادر أن غنياً آخر جازف بعشرين ألف جنيه لينافس بعض الكبراء على هوى من الأهواء

وكانت هذه الروايات - وبعضها حقائق مشهودة - تتوالى على أسماع بعض الغرباء عنها فيدهشون ويحنقون ويغلو بهم الدهش والحنق كما يغلو بهم الخوف على مصير المجتمع المصري من هذه الغوايات في أيدي أناس لا يستحقون ملء الجوف من خبز الشعير، وهم يخدمون شهواتهم بثروات تعبي بها جهود الأكفاء والأمناء. فرفع رجل من الحاضرين إصبعه إلى السماء: رجل من الحاضرين لا شك في إسلامه وإيمانه بوجود الله، ولكنه ذهل عن نفسه لما سمع من تلك المحرجات، فصاح وهو ينظر إلى القبة الزرقاء: أأنت موجود:

<<  <  ج:
ص:  >  >>