للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لأحترق إذا حاولت أن أبينه له! إن الوجود كما تقول يا صديقي ليس فيه موت، فكيف تؤمن بوحدة الوجود إذن وهي تقول - أو المخرفون الذين يؤمنون بها يقولون، إن الموجودات كلها عدم، ولا وجود إلا للوجود الكلي المطلق الذي لا أدري وحياتك يا أخي ما هو؟ ثم كيف تجهر يا أخي بأنك تكفر بالموت؟ أتعني بذلك أن أحداً من حضرات أجدادك - وأجدادي - لم يمت؟! أحذر يا أخي أن تظن أنني أستهزئ بأحد، فالمسألة أجل من هذا! أحرام إذن أن أدعو لوالدي وأجدادي بالرحمة، وهذيان أن أقول اللهم ارحم أجداد أعز أصدقائي الدكتور زكي مبارك؟! ثم ما هذا الذي تقوله يا أخي؟ لماذا توهم الناس أن وراء الأكمة قطة (تخربش)! وقد آثرت القطة الظريفة اللطيفة السلامة؟ ثم ماذا تصنع الخربشة ما دام أنه لا موت؟ وماذا في الاحتراق تخيفني به وهو لا يميت؟! ولماذا تمنعني عن الإجابة على سؤالك فتدعوني بهذا المنع إلى السكون، وأنت نفسك في سؤالك تجهر بأنه لا سكون. . . وبهذه المناسبة يا اخي، هل باطن جبل المقطم متحرك غير هذه الحركة الكلية التي تحمله فيها الكرة الأرضية في رحلتها السماوية؟ وهل باطن الجنيه الذهبي الذي تشتري بألفين منه - ألفين عداً ونقداً - عزبة عامرة بفلاحيها وجاموسها وبطها وأوزها؟ وإذا كان باطن المقطم متحركا، وباطن الجنيه - الجنيه الذهبي! - متحركا، وباطن كتلة الفولاذ متحركا، وباطن زجاج كؤوس الطلي التي حفها - أو لم يحفها - الحبب - المتحرك دائماً - متحركاً. . . فعوضنا نحن المؤمنين السذج على الله في عقولنا، أو في غباوتنا!

آه. . . تذكرت. . . إن كتلة المادة مركبة من إلكترونات! والإلكترونات هي هذه الذريرات من الكهرباء السالبة تدور بسرعة حول بروتونات من الكهرباء الموجبة. وعلى هذا فكل شيء متحرك حتى باطن جبل المقطم وباطن الجنيه الذهبي والفولاذ وزجاج كؤوس الطلي. . . وحتى الموتى متحركون بتحرك ذراتهم على هذا النحو. . . وليس في الدنيا فضاء لأن الفراغ الموهوم بين الكواكب والسدم تملأه الجاذبية؟! وما الموت عندكم إلا نوع من أنواع التجول!

ولكن ما هذا كله وما نحن فيه! لماذا تخيفني يا أخي إن أنا أجبت على سؤالك الهائل على هذا النحو؟ وبعد صدور الرسالة صبيحة يوم الأحد بنصف ساعة؟! هل كنت تحسب أن الإجابة على هذا السؤال هي من قبيل ذلك المضنون به على غير أهله؟ لأنه من العلوم

<<  <  ج:
ص:  >  >>