للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كانت فيه أمس مساء، لابد أنها لم ترفع من مكانها إلا اليوم، وقد تكون أمي وحدها استطاعت أن تراها، ولئن رآها أبي، فليكونن هذا آخر عهدي بالحياة!)

ويقف روسو، برسائله وروايته عند هذا الحد، وكان يحمل هذه الرسائل في حقيبته، ويقرأهن على النساء، فيبكين رقة وأسى، وكان يعتقد أن روايته قد نمت، وإن الحبيبين افترقا إلى الأبد، فلا لفاه، لكن حادثاً يقع، فيكون نتيجة لتلك القصة الخيالية. وهذا مثال واضح يفسر الصلة بين الرواية والحياة وبين الخيال والحقيقة

عرف روسو، في هذه الحقبة، مدام دوتو. وكانت هذه، شأن كثيرات من نساء القرن الثامن عشر، قد فركت زوجها وأحبت سان لامبير، القائد الشاعر، عاشق مدام دشاتليه

وصادف أن لجأت إليه - وهو في عزلته عند مدام ديبيناي - وحلة قد بللها المطر. ثم زارته زورته ثانية ممتطية حصاناً، وقد تزيت بزي الرجال.

يقول روسو: (. . . ورغم أني لا أحب شبيهات هذه السخريات، فقد بهرت بشكلها، وأحببتها. . .)

لم تكن مدام دوتو، جميلة. ولكنها ذات سحر وجاذبية. وسرعان ما اشتد حبه وانتقل فجأة من العالم الذي كان يتخيله على الورق، إلى عالم فيه ما يلاقيه الهائمون من الوله والحنين والشكوى. وكانت، تياهة، طياشة ذات دل ورقة، وكانت لا تأبى على روسو النزهات في ضوء القمر، أو القبلات على حفافي النهر. لكن قلبها كان شارداً. أسره رجل غير روسو، وغير زوجها. رجل قائد خيل إليه أنه شاعر، وأوهمته أنها صادقة في حبها إياه. ولم يشأ روسو أن يغريها. . فتألم ويئس وأذعن. ثم شعر بالملل، وكان يراسلها فانقطع عن مراسلتها

وعاد روسو إلى روايته يتمها. . .

فتخيل أن جوليا تجبر على زواج رجل روسي نبيل اسمه ولما قد أوتى بسطة من البلادة، وإن سان برو، يذعن، وقد يئس. ثم يجعلها في حل مما كانت عاهدته عليه، فلا تتزوج غيره. وتذعن جوليا إطاعة لأبيها، وشفقة على حبيبها ويضطرب سان برو، فسافر ليطوف في البلاد، مسكينة جوليا أنها لم تذق من هواها غير القلق والخوف واليأس. . . ولم تلق في طريقها غير حبيب أحبته، فأبعد منها، وزوج لم ترض عنه قرب إليها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>