للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الهرم وجود غير وجود الماء؟ كلا! وهو مع ذلك حق، لا وهم من الأوهام، بل كل ما هنالك أنه غير قائم بذاته، بل بالماء، فهو من هذه الناحية، يقال له باطل على طريق التشبيه أي كالباطل، وبذلك فسر محيي الدين ابن عربي قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، إذ قال: (اعلم أن الموجودات كلها، وإن وصفت بالباطل فهي حق من حيث الوجود، ولكن سلطان المقام إذا غلب على صاحبه يرى ما سوى الله باطلاً، من حيث إنه ليس له وجود من ذاته، فحكمه حكم العدم، وهذا معنى قوله ما سوى الله باطل، أي كالباطل، لأن العالم قائم بالله لا بنفسه)

ثم قال: (والعارف إذا وصل إلى مقامات القرب في بداية عرفانه، ربما تلاشت هذه الكائنات، وحجب عن شهودها بشهود الحق، لا أنها زالت من الوجود بالكلية، ثم إذا كمل عرفانه، فإنه يشهد الحق والخلق معاً في آن واحد)

هذا ما قاله محيي الدين، وأين هو مما يقوله الأستاذ خشبة من أن هذه المخلوقات باطل، وإنها وهم. ولا ريب أن شهود الحق والخلق معاً في آن واحد كما قال محيي الدين، هو كشهود الماء والهرم والثلجي معاً في آن واحد، وهذه المرتبة عند الصوفية، تسمى مرتبة الجمع، كما هو مسطور في كتب التصوف، فكما أن وجود الهرم الثلجي حق، لا وهم، وإن لم يكن له وجود غير وجود الماء، كذلك وجود المخلوقات حق، لا وهم، وإن لم يكن لها وجود غير الوجود الكلي أو غير وجود الله، وكما أن هذا الهرم، مظهر من مظاهر الماء، وصورة قائمة بالماء، كذلك المخلوقات كلها مظاهر للوجود الكلي، وصورة قائمة به، فهي كهذا الهرم ليس لها وجود غير الوجود الكلي

أليس من المعيب عند الأستاذ خشبة، أن يتهم الوصفية بضد ما يقولون، ثم يشنع عليهم قولهم كل هذا التشنيع. وكيف جاز للأستاذ أن يتغاضى عن فصل كتبناه تحت عنوان (الحق والباطل، في رأي أهل التصوف) وقد صرحنا فيه بأن كل ما وقع فهو حق عند أهل وحدة الوجود وأنه لا باطل عندهم إلا المحال

٢ - ومن شتائم الأستاذ خشبة للرصافي قوله: (إن الرصافي يرى أن القرآن من تأليف محمد؛ بدليل ما دأب على ذكره من قوله: قال محمد في القرآن)

فنقول: إن هذا القول قد قاله بعض المشايخ من ذوي العمائم عندنا في بغداد قبل الأستاذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>