للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

للشعوب، يتنصلون من تبعة الحرب، ويتبرءون من إعلانها، فلاشك أن هذا دليل يحمل في طياته النزعة القوية إلى السلام)

والصواب الذي يستقيم هاهنا مع حقائق الواقع في الإنسانية إنما هو أنهم (يتبرءون) سترا لطمعهم وأغراضهم، و (يتنصلون) دفعاً للتبعة إن هم قهروا، وتبريراً لجشعهم وإذلالهم عدوهم إن هم قهروا، وتضليلاً عن سوقهم الأمم إلى المجازر وعن سبل سياستهم؛ ولم يكونوا يوماً لينزعوا إلى (السلام) حين يخالف مصالحهم الحيوية وهم قادرون على الحرب، أو يحول دون مطامعهم الحقيقية، شخصية كانت أو قومية. فليس يصح في الأذهان أن ما تقدم دفعه من الكلام (يبشر بتحقيق هذا الحلم)، كما يظن الدكتور وإن قال: (ستقع الحرب في الجيل المقبل. . . وقد تقع بعد جيل آخر)، ليس غير

ثم رأى الدكتور في نظرته إلى أسباب الحرب (أن ذكر طبائع الفرد وخصائصه. . . بصدد حرب بين دولة وأخرى) حجة نفسية لا تستقيم، لأن (طبائع الجماعة تختلف عن طبائع الفرد كما هو معروف لكل من درس علم الاجتماع)

لكن عندنا دكتور آخر كتب مرة أن الآراء التي سمعها (من أساتذة السربون في علم الاجتماع وعلم النفس) هراء. وما التذكير بهذا التقرير إلا لتنبيه من قد يحب أن ينعم النظر في العلمين لينكرهما أو يعتبرههما، ويرى هل يتحقق أنهما عند ذكر أسباب الحرب، لا يسمحان بالجمع (بين الدوافع النفسية في الفرد وبين العلاقات الدولية وتنافر مصلحة الجماعات). فإن الذي يجهلهما، أو يقرأ فيهما ويفوته فهمه كل الفهم، قد يظن أن للأفراد، خصوصا في الأمم الحية المتعلمة، عاطفة وطنية، وحساسية قومية، وآراء مشتركة بينهم، وشعوراً بالمصلحة العامة، ملاحظاً في كلامهم واستعدادهم للدفاع عنها، وأن الرأي العام وإن كان دون الرأي الفردي أو أكثر منه تعرضاً للخطأ، يؤثر تأثيراً قويا في الحكام والزعماء، لأن البيئة تؤثر في الأفراد كما تتأثر منهم، وأن الأنانية مردها الأخير في التحليل النفسي غريزتا حفظ الذات وحفظ الجنس، وإذن فهي الأساس العميق في الفرد وفي الجماعة، سواء ظهرت أو سترتها التربية والآداب، زد أن الإنسان منذ ظهر على هذه الأرض قد جعل فخره في توسيع معاركه وزيادة أخطارها، وهو يرفع عقيرته بالسلم، بل يخيل إليه إنه يريد أن يعيش فيه، ولكنه لا يريده بشدة كافية لحفظه، والتزاحم الطبيعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>