للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أوجه الجنود من شتى الأقطار وهم آتون غادون أمام أعين الناس، وهي حال لا تدل على تأفف أو استياء، بل تدل على الارتياح، واحتشاد الأهالي في الثورات والحروب الأهلية - وهي في الإنسانية أكثر من الحروب الدولية - لمحاربة السلطات القائمة والجيش بما تصل إليه أيديهم من الآلات

لكن هناك (أبلغ دليل في هدم كيان) القول (يجب الكفاح وتغلب الغريزة والشهوة والأنانية)

ذلك الدليل الأبلغ في نظر الدكتور، هو (أن الأفراد يعيشون في داخل الدولة الواحدة. . . وتسود فيهم بطبيعة الحال غرائز الكفاح والأثرة والمغالبة والنزوع إلى السيطرة والسلطان (كذا)، ومع ذلك تعيش هذه الجماعة الواحدة كخلية النحل. . . دون أن تقع بينهم معارك دامية، إلا ما يحدث من الخصام المعروف بين الأفراد الذي يحله القانون ويقتضيه الأمن والنظام. والبوليس والقضاء كفيلان بضبط الأمن وحفظ النظام)

فلا يتوهمن متوهم، بعد هذا الدليل، أن تضارب فردين، أو جماعتين، أو قريتين، ولو قتل أناس منهم - لسبب كالغيرة مثلا أو السطو أو الانتخابات الديمقراطية - يعد (معركة دامية، إنما هي تضارب داخل حدود الدولة؛ وإن أبطل القضاء والبوليس، أي القوى المانعة الرادعة، وجوباً داخل (خلية النحل)، فإن أفرادها لا يتقاتلون بدوافع جبلتهم البشرية لتغيرها بالمدنية، حتى أصبحوا نافرين من الاقتتال، لا يحاربون إلا مكرهين في ميادين الحروب الدولية. أما ظلم ذوي القربى وشتى الجرائم التي يدرك أو لا يدرك البوليس والقضاء مقترفيها، فإنها أمور ليست في شيء مما يدل على أن الفطرة البشرية لم تتغير ذلك التغير، وإن كان مما يسلم به الدكتور أن الأفراد داخل الدولة (تسود فيهم غرائز الكفاح والأثرة والمغالبة والنزوع إلى السيطرة والسلطان)؛ إذ إنه يقول: (قد اقتضت الحضارة والمدنية أن توجه هذه النزعة إلى كفاح الحياة والتغلب على عقبات المعيشة وتذليل البيئة المحيطة بالإنسان وتسخيرها لمصلحته ودفع عدوان الأمراض والأوبئة)

فكأن الحكام أوشكوا أن يصبحوا حكماء، والمحكومين أن يصبحوا قديسين! ذلك هو ما يؤخذ من تطبيق علمي النفس والاجتماع فيما يبدو من كلام الدكتور. غير أن كليمنصو يقول: (إن المحاكم لا تستطيع أن تشفي الناس من اقتراف القتل في العلم. . . ومنذ أقدم الأزمان إلى أيامنا هذه، لم نعرف بعد غير الدم كفارة عن الدم؛ والكلمة الأخيرة لمدنيتنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>