للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالوقوف عند الحد الوسط في كل شيء لضمان البقاء والصلاح، وعدم التعرض للانحلال والفساد. أدرك الإسلام ذلك فجاءت شريعته وسطا لا إفراط فيها ولا تفريط، ووقعت أحكامها ومبادئها مهما تنوعت وتشعبت في هذه الدائرة التي رسمها كتاب الله عز وجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس)، (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله):

هي في العقيدة وسط بين الذين ينكرون الإله، ويزعمون ان هذه الحياة الدنيا ليست إلا وليده المصادفات والتفاعلات المادية (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) وبين الذين يقولون بالتعدد، ويتخذون مع الله أنداداً: تقرر في صراحة وجلاء أن الله إله واحد، وأنه المعبود الذي لا يعبد سواه (قل هو الله اتحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)، (وقال الله: لا تتخذوا الهين اثنين إنما هو إله واحد فأياي فارهبون)، (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).

وهي في الأخلاق وسط بين الذين يتحللون من كل الفضائل وبين الذين يشتطون في تصور الفضيلة والتزام طرف التشديد فيها: تقرر أن الفضيلة وسط بين رذيلتين: لا جبن ولا تهور، لا بخل ولا تبذير، لا استكبار ولا استخذاء، لا جزع ولا استكانة. وأساس ذلك كله قوله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).

وهي في صلة الإنسان بالحياة وسط بين المادية والبحت الإنسان التي لا تعرف شيئا وراء ما يقع عليه الحس من طعام وشراب ولذات وشهوات وغلبة وبطش وجمع للأموال وتكاثر وتفاخر، وبين الروحية البحت التي تزهد بالحياة وتعرض عنها إعراضاً تاماً، فلا زواج ولا سعي ولا عمل، ولكن تبتل مطلق وإهمال للأسباب! يقرر الإسلام في ذلك الوسط أيضاً فيقول (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)، (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)، (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطبيات من الرزق).

وهي طريقة التشريع ووضع قوانين الحياة وسط: لم تدع الناس يشرعون لا نفسهم في كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>