للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على وجهه. خسر الدنيا والآخرة. ذلك هو الخسران المبين)

إن الخيال ليكاد يجسم هذا (الحرف) الذي يعبد الله عليه هذا (النموذج) من الناس. انه يتخيل الاضطراب المادي لهم وهم يتأرجحون بين الثبات والانقلاب، وإن هذه الصورة لترسم حالة التزعزع النفسي، بأوضح مما يؤديه وصف التزعزع لأنها تنطبع في الحس، وتتصل منه بالنفس

وإني لأذكر الآن تلك الصورة التي ارتسمت في خيالي وأنا طفل صغير، أقرأ القران في المدرسة الأولية حينما وصلت إلى هذه الآية. لقد خيل لي رجل على مكان مرتفع ذي حرف؛ وهو قائم يصلي، ورجلاه لا تثبتان على حرف المكان، فهو يتأرجح في كل حركة، وهو معرض للسقوط في أي لحظة!

ترى يبعد تصوري الآن كثيرا عن هذه الصورة الساذجة؟ ما أظن. فالاختلاف الذي طرأ، وهو مجرد علمي اليوم، بأن هذا مثل يضرب لا حقيقة تشهد.

وذلك هو إعجاز التعبير، الذي تتقارب في إدراكه شتى المدارك، ويصل كل منها إلى صورة حية مع اختلاف الإفهام!

٣ - ويريد أن يرسم نموذجاً إنسانيا للمكابر المعاند في كل زمان ومكان. فإذا هو يرسمه في يسر وسرعة ودقة على هذا المنوال:

(ولو فتحنا عليهم باباً من السماء، فَظَلوا فيه يَعْرُجوُنَ. لقالوا: إنما سُكرَت أبصارنا، بل نحن قوم مسحورون)!

أو:

(ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاس، فلمسوه بأيديهم. لقال الذين كفروا: إنْ هذا إلا سحر مبين)!

فيبرز من خلال هاتين الصورتين، نموذج إنساني معهود. لهؤلاء الذين يلجون في المكابرة على الرغم من كل برهان. ولكن القرآن لا يقول كهذا الذي نقول: يلجون في المكابرة على الرغم من كل برهان - انه ليرسم لهم صورة شاخصة أوضح من كل تعبير، لأنها تلمس الحس والضمير.

٤ - ثم هاهو ذا يصور حادثاً وقع: مشهداً من مشاهد الهزيمة. فيرسم المشهد كاملاً تبرز

<<  <  ج:
ص:  >  >>