للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مختلف المفاوضات بين دول البلقان وأوربا الوسطى ودول البلطيق، وتعقد المواثيق هنا وهناك لتنظيم الجباه السياسية والعسكرية وأحكام المحالفات، وتتنافس دول القارة العظمى أعني فرنسا وألمانيا وإيطاليا في تنظيم هذه الحركات وتسييرها.

والواقع أن التاريخ القريب يتكرر ويتصل؛ وما يجري اليوم في العالم من الأحداث السياسية والمنازعات الدولية يشبه من وجوه كثيرة ما كان يجري قبل الحرب بأعوام قلائل فقط، من تسابق الدول العظمى في التسليح والاستعداد الحربي، ومن تنافسها وتنازعها في إجتناء المغانم الاستعمارية والتجارية، ومن توتر أعصاب الحكومات والساسة، ومن العمل على إذكاء الأحقاد القومية؛ وقد ثارت في الأعوام القلائل التي سبقت الحرب بعض مشاكل دولية خطيرة كانت مقدمة لانقضاض العاصفة؛ والأفق الدولي مثقل اليوم بكثير من هذه المشاكل؛ ويكفي أن مسألة كمسألة السار قد تضرم الشرارة الأولى، كما أن مسألة أغادير كادت قبل الحرب بعامين تضرم هذه الشرارة؛ ونستطيع أن نشبه رحلة مسيو هريو رئيس وزارة فرنسا الأسبق إلى روسيا منذ عام، أو رحلة مسيو بارتو وزير خارجيتها إلى بولونيا ودول الاتفاق الصغير، برحلة مسيو بوانكاريه إلىروسيا قبيل الحرب الكبرى بأسابيع قلائل. ولقد وصفت المعاهدات الدولية في فاتحة الحرب على لسان بعض الساسة الألمان بأنها قصاصات ورق والتاريخ يؤيد هذا القول في كثير من المواطن؛ ولكن هذا القول اعتبر أثناء الحرب من الكبائر وسجل على ألمانيا ضمن الأخطار الفادحة التي بنيت عليها مسئوليتها في إثارة الحرب. أما اليوم، ونحن نشهد عقم المواثيق والعهود الدولية الكثيرة التي وضعت لتسوية المشاكل والعلائق الدولية؛ ونشهد انهيار عصبة الأمم ومؤتمر نزع السلاح، وميثاق تحريم الحرب، ومعاهدة واشنطون التي تعهدت الدول العظمى فيها بتحديد التسليح البحري، ونقض معاهدات الصلح سواء من جانب الغالب أو المغلوب، فانه يسمح لنا أن نكرر القول القديم بأن العهود والمواثيق الدولية تغدو دائماً قصاصات من الورق كلما شاءت السياسة والاعتبارات القومية.

محمد عبد الله عنان المحامي

<<  <  ج:
ص:  >  >>