للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المصلحين الشرقيين والأوربيين هنا وهناك. وإنهم ليقولوا بالحسنى، ولكنهم لا يتخذون الحسنى عدة في الحروب حين لا مناص من الحروب

ومهما يكن من رأى رومان رولان في ذلك، فليس كاتب هذه السطور بالذي يحمد (الدروشة) الضميرية في هذا المقام، وأقرب الشواهد على ذلك إنني كنت من دعاة المشاركة في الحروب وإن كانت لا توجبها علينا معاهدة من المعاهدات، لأن كفاح الطغيان واجب غنى عن الوثائق والعهود

إلا إن العجيب في كلام الأديب المعترض قوله: إن دعوة رومان رولان وأمثاله قد يحتاج إليها الأوربيون ولا نحتاج إليها نحن الشرقيين

لأن دعوة رومان رولان قائمة على الشجاعة الأدبية وهي الزم ما يحتاج إليه الضعفاء بعد عصور الجهل والظلم والفساد

وإن دعوة الضعفاء الذين طال عليهم مراس تلك العصور لأحوج إلى الشجاعة الأدبية منهم إلى حمل السلاح. لأن الشجاعة الأدبية تشفى أمراض الفساد. كلها وتبدل بها الصحة والسلامة والقوة والكرامة، وليس شيء من ذلك بمكفول من حمل السلاح في أمة تخاف الجهر بالحق ولا تجتري على الباطل، بل لعل السلاح يصيبها قبل أن يصيب أعدائها، كما رأينا في كثير من الدويلات الأوربية والأمريكية والشرقية، حيث يحمل السلاح ولا تعرف الآراء ولا الشجاعة في الآراء

قال أبو الطيب:

والعار مضاض وليس بخائف ... من حتفه من خاف مما قيلا

يريد أن الرجل قد يقدم على الموت ولا يقدم على العار، ويحسب أن العار كله فيما يقوله الناس

فأهون الشجاعات عنده هي الشجاعة على الموت، ثم يجعل الخوف من العار أكرم من الإقدام على الحمام

لكن الحقيقة أن الشجاعة العقيدة ارفع من الشجاعتين بلا مراء، وإن شجاع العقيدة اكرم من الشجاع على الموت، ومن الشجاع الذي يموت لأنه يتقي العار، ويفهم أن العار هو ما يقول الناس إنه عيب ذميم، وأن الشرف هو ما يقوله الناس إنه فضل حميد

<<  <  ج:
ص:  >  >>