للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الاتجاهات الحديثة في الأدب العربي]

للأستاذ عباس محمود العقاد

شاعت في الأدب العربي اتجاهات حديثة منذ أوائل القرن الحاضر لم تكن شائعة في عصوره الماضية. ولكنها على هذا لم تزل على اتصال بعناصر الأدب العربي من أقدم عصوره

ومن شأن هذا الاتصال أن يحوط التجديد بشيء من الأناة والتريث، لأن الأدب العربي متصل باللغة كجميع الآداب في الأمم كافة، ولكن اللغة عند العرب خاصة متصلة بكتاب الدين الإسلامي وهو القرآن الكريم، ومن هنا كان الانقطاع بين الاتجاهات الحديثة والعناصر القديمة أصعب وأندر من المعهود في آداب الأمم الأخرى، وأمكن أن تقاس درجة المحافظة، أو درجة التجديد، في كل قطر من الأقطار العربية بمقياس التراث الإسلامي فيه. فحيثما تمكن هذا التراث في جوار الأماكن المقدسة، أو المساجد الكبرى، أو المعاهد العلمية العريقة، فهنالك تزداد الأناة في تلبية الاتجاه الحديث، ويشتد الحرص على دوام الصلة بين القديم والجديد، كما يشاهد في أطوار حركة التجديد بالحجاز والعراق والشام وفلسطين وبلاد المغرب ومصر ولبنان إلى جانب هذا العامل القوي من عوامل الأناة المقصودة، يعرض للأدب العربي سببان آخران غير مقصودين، يعوقانه عن الاسترسال مع كل حركة جديدة وكل اتجاه حديث. وهما غلبة الأمية وقلة القارئين، ونقص وسائل النشر لتوزع القراء بين الأقطار العربية وصعوبة توحيد النشر فيها

وقد يظهر اختلال وسائل النشر حتى في القطر الواحد الخاضع لحكومة واحدة، كما نرى في الديار المصرية، حيث أوشكت القاهرة أن تنفرد بوسائل النشر المنتظم وتعذَّر قيام المكتبات الناجحة في غير العاصمة الكبرى

فالاتجاهات الحديثة في الأدب العربي تخضع لهذه العوامل التي تحدها عن قصد وروية، أو عن ضرورة لا قصد فيها، وهي عوامل يندر أن تجتمع نظائرها في أدب أمة واحدة، ولهذا يلاحظ أن الاتجاه الحديث في أدبنا العربي يجري في مجراه بداءة ثم لا يبلغ أقصى مداه الذي يتاح له أن يبلغه في الأمم الأخرى، ولا يخلو هذا الحد من بعض الخير، حين يمنع الاندفاع والاعتساف في اتباع الدعوات الطارئة، ولكنه خليق أن يعالج في جانب التعويق

<<  <  ج:
ص:  >  >>