للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[علل المجتمع المصري]

للدكتور محمد صبري

أحمد بن طولون - أو سمه ما شئت - باشا بن باشا، له جاه ومال، درس القانون وحاز الليسانس ثم وثب في المناصب واصبح رئيس مجلس شيوخ ثم عضواً فيه، فإذا كتبت إليه خطاباً وقلت: (حضرة صاحب السعادة أحمد باشا بن طولون عضو مجلس الشيوخ) ثارت ثائرته وصخب بل زأر وبربر وقال (أنا رئيس مجلس شيوخ سابق ووزير سابق فيجب أن تذكر ألقابي). . . حتى في العنوان الذي لا يقرؤه إلا ساعي البريد وغيره من (سعاة)

وقد بلغ بنا التعلق بالألقاب الجوفاء أن المجمع اللغوي وهو هيئة محترمة اشتهرت بالدقة في التعبير قد رشحت أخيراً لرئاستها رسمياً سعادة (الدكتور) أحمد لطفي السيد باشا، ولطفي باشا ليس دكتوراً، ولكنه أستاذ الأساتذة ومربي قادة الفكر الحديث، وكان يمضي مقالاته في الجريدة (أحمد لطفي السيد) وهذا الاسم في غنى عن كل لقب وتعريف. وقد يجهل الكثيرون أن أحمد لطفي السيد كان الكاتب الأول لرسائل الوفد المصري إلى مؤتمر السلام إبان الثورة، وأن مجموعة هذه الرسائل كانت توازي بدقة أسلوبها السياسي وبراعته واتزانه خير ما حادت به القرائح من أمثالها في الغرب

ولو كانت العبقرية المصرية عبقرية بناء لا عبقرية هدم، لعرف القاصي والداني هذه الحقيقة، ولكان التفاخر بشخصياتنا وآثارهم عاملاً من أكبر العوامل التي تساعد على تجديد كياننا وتدعيمه. ولو عرف شبابنا أن هذه الشخصيات المنزوية في جلالة الصمت وأبهة الشيخوخة - لأنها لا تعرف التهريج - لم تتكون إلا بعد جهد مضن وحياة مملوءة بالتضحية والتعلق بالمثل العليا، لخففوا من غلوائهم وعلموا أن الوظائف والدرجات ليست هي كل غايتنا في الحياة، وأنه ليس مما يشرفنا أن تقوم من أجلها في هذا البلد الطيب ثورة اجتماعية أصبح ضجيجها على الأبواب

ولكن شبابنا قد اندفع في تيار الديماجوجية الصاخبة فأصبح يضرب عن تلقي العلم ويتلمس لذلك أو هي الأسباب، وأصبحت الوظيفة مطمحه الأسمى في الحياة. وقد ساعد بعض قادة أمورنا على انتشار هذه الروح لأنهم يريدون تأييد السواد الأعظم لهم شقيت البلاد أم سعدت (وبعدي الطوفان. . .)

<<  <  ج:
ص:  >  >>