للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[منخفض القطارة]

في صحراء مصر الغربية

للأستاذ ستابلتون ترول

كان قدماء المصرين يظنون أن منخفض القطارة هو الدار الآخرة. وكان قدماء الإغريق يعدونه الموطن الخرافي للغول الوحشي: ميدوس الذي كانوا يعتقدون أنه إذا نظر إلى شيء حوَّله حجرا. ولاشك أن السبب في نشأة هذا الزعم هو ما كان يروي من قصص العجيبة عن الغابات والنباتات المتحجرة التي تغطي مساحة المنخفض. ولقد عبر منخفض القطارة جيش بقيادة قمبيز بن قورش الأكبر، حينما زحف إلى مملكة سيوة لفتحها. ويحدثنا هيرودوت أن ذلك الجيش وقع فريسة لعاصفة رملية اجتحته فلم يسمع عنه خبر. ولقد اجتاز الاسكندر الأكبر كذلك ذلك الطريق في عودته من سيوة بعد أن نادى به قساوسة المعبد السيوي إلها. تلك هي طبيعة منخفض القطارة، حتى إنها ظلت مئات السنين تقذف الرعب الخفي في القلوب، فكان الرحالون والقوافل تتجنبها دائماً

ومع أن المنخفض قد كشف في أواخر القرن الثامن عشر وارتاده الرحالة الألماني رلفس سنة ١٧٨٤، لم تتجه إليه الأنظار اتجاهاً قوياً إلا في فجر القرن التاسع عشر

على أن حديثنا هنا هو عن جماعة الكولونيل باكنولد الذين اجتازوا المنخفض بالسيارات في سنة ١٩٢٧ وقد دون باكنولد ما جاء على غير ما كان يتوقع جمهور الناس، إذ قال إنه لم يصادف في رحلته حوادث مثيرة أو خطيرة، فلم يضلوا الطريق، ولم تتعطل سياراتهم، ولم تهاجمهم قبائل معادية. وقد قامت الفرقة برحلتها المنهكة من غير حوادث ولا مصادفات ولكنها عادت بوصف واضح لتكوين المنخفض. ويقول باكنولد إنه حتى في أثناء الحرب العظمى الماضية لم تحاول عبور المنخفض دوريات السيارات الخفيفة التي كانت تقوم بعملها في مصر لحراسة حدودها. ولقد بدأ رحلته من مينا، باب الصحراء الغربية، واختط طريقه جنوبي حافة المنخفض عابراً إلى قارة، ومنها قدماً إلى سيوة - فبلغ ما قطعه في رحلته ٤٠٠ ميل، ولاشك في أن الرحلة لم تكن نزهة يتفكه بها، إذ أن المنخفض ليس أرضاً صلبة، لذلك كانت عجلات السيارات تغوص في التربة الرملية الملحية.

وكانوا في بعض الأحيان يقاتلون قطعانا من الغزلان ترعى الحشائش المتناثرة التي تنمو

<<  <  ج:
ص:  >  >>