للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القضايا الكبرى في الإسلام]

قضية التجسس لقريش

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

هذه قضية لها قيمتها في أحداثنا الحاضرة، ولو كنا نرجع في حاضرنا إلى ماضينا، لكان لنا منه أكبر العظات، وأعظم العبر، ولكنا قطعنا صلتنا بماضينا، وأخذنا نتخبط في حاضرنا، وننظر فيه إلى من لا صلة بيننا وبينهم، ولا يتفق أمرنا وأمرهم، فتقطعت بيننا الأسباب، واستفحل بيننا الخلاف، ونكب المسلمون في زعمائهم وقادتهم، وصاروا ينظرون إلى من يأخذ بيدهم فيرتد الطرف إليهم وهو حسير

في السنة الثامنة من الهجرة نقضت قريش عهدها مع النبي صلى الله وعليه وسلم في صلح الحديبية، فتجهز النبي للسفر، ولم يعلن أصحابه بما يريد من غزو قريش إلا أبا بكر رضى الله عنه، ثم استنفر الأعراب الذين حول المدينة، وقال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة. فقدم جمع من قبائل أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة، وقد طوى ما يريد عن الجيش، لئلا يشيع الأمر فتعلم قريش فتستعد للحرب، وهو لا يريد أن يقيم حربا بمكة، بل يريد أن يباغت أهلها فيضطرهم إلى التسليم من غير حرب، وقد دعا الله تعالى فقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها. وفي رواية أخرى: اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم، فلا يرونا إلا بغتة، ولا يسمعون بنا إلا فلتة. ثم أمر بالطرق فحبست، وأقام جماعة بالأنقاب يراقبون من يمر بها، وكان عمر رضى الله عنه يطوف على الأنقاب فيقول: لا تدعوا أحداً يمر بكم تنكرونه إلا رددتموه. وكانت الأنقاب مسلمة إلا من سلك إلى مكة، فإنه يتحفظ منه ويسأل عنه

وقد أمكن حاطب بن أبي بلتعة مع ذلك التكتم الشديد أن يعرف قصد النبي صلى الله عليه ومسلم، وهو لخمي نزل مكة وحالف بني أسد بن عبد العزى، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا والحديبية، وكان له بمكة بنون واخوة، فخاف عليهم من قريش في ذلك الغزو، وأراد أن يتقرب إليهم بإخبارهم بقصد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يتعرضوا إلى بنيه واخوته بسوء، فكتب إليهم كتابا يخبرهم بذلك، ثم استأجر امرأة بدينار وقيل بعشرة دنانير، وقال لها: أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق فان عليه حرساً

<<  <  ج:
ص:  >  >>