للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون، لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم، يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون نصير، قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدأ بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) إلى أخر القصة.

وفي هذه الآيات معاتبات رقيقة لذلك المجاهد الكريم بعد ذلك الصفح الجميل، وعظات كريمة أطلقت إطلاقا، ولم توجه إليه بخصوصه، حتى لا يكون في ذلك ما يشم منه رائحة تشنيع، ولا يكون فيه تصريح بتلك الخيانة، ولا يشوب جهاده منها شائبة تشوبه، ويمضي العفو عن ذنبه خالصاً يمحو كل أثر للذنب، ولا يبقى أية حفيظة عليه في نفوس المجني عليهم.

ولم يكن كل هذا إلا لأن حاطبا كان من المجاهدين الأولين في الإسلام، وللمجاهدين الأولين في كل دعوة شأنهم في نفوس من يأتي بعدهم، فإذا روعي لهم جهادهم إلى آخر حياتهم، وأحيطوا بجانب من القداسة يعلى شأن جهادهم، وينسى معه بعض ما يحصل من زلاتهم بحسن قصد، ومن غير تنكر للدعوة التي جاهدوا في سبيلها - إذا روعي لهم كل هذا كان مدعاة لأخذ الخلف بسنة السلف في الجهاد، حتى ينالوا مثل قداستهم في نظر من يأتي بعدهم، ودعا أيضاً إلى تكوين القدوة الصالحة اللازمة في تاريخ كل أمة من الأمم، وهي الماضي المجيد الذي يقوم على أساسه بناء المستقبل، وهذه هي الحكمة الجليلة في ذلك القول الذي ورد عن أهل بدر - اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفي بعض الروايات فإني غافر لكم، وهذا يدل على أن المراد بقوله غفرت في الرواية الأولى أنه سيغفر لهم في المستقبل ما يقع منهم، وقد عبر عنه بالماضي مبالغة في تحققه، ولو كان المراد منه الماضي حقيقة لما صح أن يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه، لأنه ينكر به عليه ما قاله في أمر حاطب، ولا يكون فيه إنكار عليه إلا إذا كان الغفران لما يكون من ذنوبهم بعد بدر، على أنه لا يراد من هذا إباحة فعل الذنوب لهم، وإنما هو خطاب تكريم وتشريف، ولا يراد منه إلا أنهم حصلت لهم بتلك الغزوة حالة من القداسة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>