للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خزانة مصر خالية من المال، فطلب من المترجم إقراضه خمسين ألف دينار من أموال عباس باشا التي بيده فأبى وتوقف وقال: إنما أنا أمين عليها، وصاحبها الهامي باشا باستنبول، ولا يجور لي التصرف في ماله بغير اذنه، فتداخل بعض الأمراء في الأمر، حتى رضى بإقراضه القدر المذكور بشرط أن يكتب صكاً به ويوقع عليه، ففعل وأخذ المال، ولما حضر الهامي باشا من دار السلطنة أعطاه المترجم الصك وقال له: هذا المال أخذه عم أبيك، فان شئت طالبته به، وان شئت تجاوزت له عنه، فعدت هذه الحادثة من مواقف المترجم المحمودة.

وبقى المترجم خزينة دارا لالهامي باشا حتى رآه ينفق أمواله في غير وجهها، فنصحه بأنه إذا دام على هذا الحال لا يبقى ولا يذر شيئاً مما تركه والده، وأوصاه بالحزم، وقال له في عرض كلامه يا سيدي أنا لا أنهاك عن الكرم والإحسان إلى الفقراء، ولكني أنهاك عن الإسراف والتبذير والإنعام على صغار الخدم بهذه الجواهر والنفائس الثمينة التي نراها في أيديهم كل يوم، ولما رأى إعراض الأمير عنه وتماديه فيما هو فيه استعفى من منصبه ولزم داره التي بالتبليطة. ثم بدا له السفر إلى دار السلطنة فسار إليها وعلم السلطان عبد المجيد بن محمود بمقدمه فطلبه إلى القصر، ولكنه لم يقابله بل أمر أولاده الأمراء مرادا وعبد الحميد ورشادا بإكرامه فقابلوه ولاطفوه، ثم قيل له إن في نية السلطان الإنعام عليه برتبة باشا وأشير عليه بعدم السفر فلم يوفق للإقامة بل سافر بغير إذن إلى الحجاز، فحج وعاد لمصر، وكان الوالي سعيد باشا أرسل إلى كامل باشا زوج أخته الأميرة زينب هانم أن يراقب المترجم مدة وجوده بدار السلطنة لأنه يوجس من سفره خيفة، فأعلمه أنه تحقق من أن الرجل ليس له مقصد سوى التنزه والسياحة فقط. وأراد سعيد باشا مرة استخدامه فشكر ولم يقبل، ولما تولى إسماعيل باشا على مصر أنعم عليه برتبة ميرميران وأمر باستخدامه عضواً في مجلس الأحكام فاعتذر عن إلاستخدام وقال للرسول ان كنتم تجبروني على الخدمة لأجل رتبتكم فهاك (فرمانها) أرده لأفندينا فاقره إسماعيل باشا على الرتبة وأعفاه من الخدمة.

وبقى بعد ذلك في داره وينتقل تارة إلى ضياعه يراقبها وينفق من غلتها حتى وافاه أجله فمات محمود السيرة عف السريرة قليل الشاكين كثير الشاكرين لا يقطع فرضاً ولا يقصر

<<  <  ج:
ص:  >  >>