للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والكتاب ممتع في أسلوبه؛ شيق في عرضه؛ خليق بالقراءة والدرس لأنه يقرب بعد الشقة التي تفصل شباب الأدب وشيوخه وتعطي لك صورة عن مذاهبهم الفنية؛ وإن حمدنا شيئاً فأنما نحمد رجوع الدكتور إلى ميدانه بعد أن طالت غيبته؛ وتشوفت القلوب إلى طلعته.

- ٢ -

العصور الإسلامية أحوج ما تكون إلى البعث والصقل والربط بين أجزائها وترتيب المقدمات الصحيحة التي أفضت إلى هذه النتائج؛ لأن هذه العصور لا تزال مطموسة المعالم؛ حائلة الصورة؛ مفككة الأجزاء؛ ينقصها رفع الأغشية عن اطرادها المنطقي لسير حوادثها؛ وحركات تطورها؛ فتاريخنا لم ينل من العناية والدقة ما يحفظ عليه ملامحه؛ ويحدد كينونته؛ وتأخذه العين كائناً؛ حياً؛ له خصائصه وشياته؛ بل تجده أجزاء متفرقة؛ لا ينظمها تسلسل منطقي؛ ولا تربطها وحدة؛ وما أشبه تاريخنا بحومة وغى؛ انكشف تلاحمها عن أشلاء قد كدس واختلط بعضها ببعض، فعلى من يريد أن يرد إلى كل جسم بقاياه؛ أن يعمد إلى متناثره من هنا وهناك؛ حتى يستطيع أن يسوي منه مخلوقا؛ هكذا انتثرت مهايا العصور الإسلامية ومهايا رجالها في هذا الحشد المزدحم من هذه الأخبار المتضاربة أحياناً التي ينقصها في كثير من المواضع طابع الاتزان؛ نجد في هذا المكان لمحة عن هذه الشخصية أو العصر ربما أتت عرضاً؛ وفي ذاك صورة يمكن بعد نفض الغبار عنها أن تكون مادة قوية في رسم لوحة من لوحات هذا العصر أو ذاك؛ فرسالة المؤرخ لهذه الحقب أن يطيل النظر كثيراً مع استعانته بكل ما من شأنه أن يعينه على جمع الأشباه إلى الأشباه؛ والنظائر إلى النظائر؛ وإقامة حياة من ذلك الشتيت المتناثر؛ ثم يعمد إلى سد الفجوات في هذا البناء؛ وتنسيق الحوادث تنسيقاً منطقياً؛ حتى يبدو عليه وقار الحياة؛ وجلال الدرس القيم؛ ثم يلقي الأضواء دائماً على الجوانب التي يكتنفها شيء من الظلام؛ ويجلو الآفاق التي يخيم على تألقها الضباب؛ هنا يصبح التاريخ وهو قطعة حية من صميم الحياة المطردة والوجود المتماسك؛ والدكتور هيكل باشا أول من حاول هذه المحاولة في كتابة التاريخ الإسلامي على هذا الأسلوب العلمي الدقيق؛ فقد كان صاحب اليد في تجلية العصر النبوي؛ وإماطة اللثام عن كثير من جوانبه؛ وتوجيه الأنظار إلى مشرق النور؛ ومصدر السمو البشري؛ ومنزل الوحي؛ وتقديمها لأول مرة في هذا الثوب الجديد؛ وقد استطاع أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>