للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وحينما اقترب من تلك الشجيرة، رأى عشَّين متجاورين، في كل منهما عصافير صغيرة، لم ينبت لها الريش بعد!

وعاد الرجل بعد ذلك إلى عمله، ولكنه يرفع بصره من وقت إلى آخر، وينظر إلى تلك العصافير التي تروح وتجئ حاملةً القوت إلى صغارها: وذات مرّة، كانت إحدى الأمهات عائدة إلى عشها ومعها القوت الذي جلبته لصغارها، فانقضّ عليها نسر كاسر، ومضى بها، وهي تتلوَّى في قبضته، وترسل الصرخات الأليمة المدوية!

وحينما وقعت عينا الرجل على هذا المنظر لجَّت عليه خواطر السوء أكثر من ذي قبل، فزاد قلقه واضطرابه، وأخذ يفكر في نفسه قائلا: (إن في موت الأم موتاً للأبناء، فماذا عسى أن يفعل أبنائي، لو قُدّرَ أن أموت، وما لهم من معين سواي؟).

وظل الرجل طوال اليوم حزيناً كاسف البال، وبات طيلة ليلته ساهداً لم تكتحل عيناه بنوم.

وفي اليوم التالي، حينما عاد إلى عمله في الحقل، فكّر في نفسه قائلاً: (تُرَى ما الذي صار من أمر الصغار الذين خلّفتهم تلك الأمّ المسكينة، لابدّ أن يكون عدد كبير منهم قد مات جوعاً) ومضى الرجل إلى الشجرة، لكي يرى بعينيه ما حدث وألقى الرجل نظرة على الشجيرة، فراعه أن الصغار جميعاً في أحسن حال، ليس بينهم من يبدو ضعيفاً أو خائراً أو موشكا على الموت) ولما كانت الدهشة قد بلغت به كل مبلغ، فقد اختبأ ليرى بنفسه ما الذي سيحدث.

وبعد لحظات، سمع الرجل صرخة خفيفة، ولمح صاحبة العش الآخر، وقد أسرعت تحمل القوت لصغارها، وصغار رفيقتها التي اقتنصها النسر. ورأى صاحبنا هذه الأمّ الرحيمة وهي توزع القوت على الصغار جميعا بلا تفرقة ولا تمييز، فيصيب كل منهم طعامه، ولا يُتْرك واحدٌ منهم يتيماً لا عائل له!

وفي المساء، مضى الرجل إلى جاره المؤمن، يروي له ما رآه بعيني رأسه.

وعند ذلك قال له رفيقه: (فيِمَ القلق والاضطراب إذن؟ إنَّ الله لا يتخلّى عن عباده أبداً، وهذه محبَّته لها أسرارٌ لا سبيل لنا إلى معرفتها. فحسبنا أن نؤمن، ونأمل، ونحبّ، ولنواصل السير في طمأنينة وسلام.

(وإذا قّدر لي أن أموت قبلك، فإنك تصير أباً لأبنائي، وإذا قّدر لك أن تموت قبلي، فإنني

<<  <  ج:
ص:  >  >>