للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويمكننا أن نتصور فخامة الأثاث في بلاط بني العباس من الثبت الذي ذكره ابن الخطيب للسجوف والطنافس التي شاهدها في حفل استقبال الخليفة المقتدر لسفير بيزنطة سنة ٣٠٥ هجرية فقد اشتمل ذلك الثبت على مطرزات ذهبية فيها صور جامات، وفيلة، وخيول، وجمال وحيوانات برية، وطيور، إلى غير ذلك، وهو لون من الفن توارثه فنانو العرب واستعملوه في العهود المختلفة بنجاح عظيم، وكان يمتزج بهذه الأصناف كلها المنسوجات الصادرة من الصين والهند ورومية، وهي منسوجات كانت مشهورة عند أهل الشرق الأوسط.

ومع أنه ليس من الممكن أن نتناول هنا بالتفصيل ذكر سائر بلاد الخلافة فإن مصر وفارس لخليقتان بذكر خاص. ففي مصر تنيس، ودمياط، ودبيق، وعدد آخر لا يحصى من البلاد الصغيرة بمنطقة دمياط والأبوانية، تصنع وتصدر كميات من التيل؛ بل إن كسوة الكعبة تصنع عادة هناك منذ أيام الخليفة عمر بن الخطاب، وأنا أعتقد أن القباطي التي كانت تستعمل في الكسوة كانت في الحقيقة مصنوعة في هذه المدن. وكذلك كانت الفيوم مركزاً لنشاط صناعي عظيم، وكانت تحتوي على عدة مصانع للطراز. وكانت مصر تستورد منسوجات من الخارج. ويمكننا أن نقتبس بهذا الصدد شعر بهاء الدين زهير في التاجر البغدادي في القاهرة:

دخلت مصر غنياً ... وليس حالي بخافي

عشرون حمل حرير، ... ومثل ذاك نصافي،

وجملة من لآل ... وجوهر شفاف

وكل من النطرون والشب اللذين كان يستعملهما الصباغون كان يوجد في مصر وكانا يصدران إلى أقطار أخرى. ويروى لنا ابن مماتي أنه كان هناك طلب كثير للشب في بيزنطة، وهو يصف لنا إدارة الإحتكار الحكومي لهذه المادة في القرن السادس الهجري. وكانت مناجم الشب في صحراء الصعيد، وكانت هذه المادة تحمل في النيل إلى الوجه البحري ومنه إلى الإسكندرية. وكان النطرون يستخرج طبعاً من وادي النطرون، كما كان الأمر على عهد قدماء المصريين، وكان النطرون احتكاراً حكومياً كذلك، ونجد أنه كان يباع في مدن دمياط وتنيس وأمثالهما. وما زال النطرون يستخرج حتى اليوم في مصر،

<<  <  ج:
ص:  >  >>