للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تكاليفها، وغاية ما لهم هو الإسراف في تقليد الأجانب والانسلاخ من قوميتهم، فكان أن تجاوز الرجل الأمل في هذين العاملين، وانتهى في اختيار الأداة إلى العلماء العاملين، وجعلهم مناط التكليف للقيام بهذه المهمة وطلب منهم أن يكون لهم اليد الطولى في هذا العمل الشريف، وقد وضع لهم في ذلك برنامجاً منظماً محكماً إذ يقول: (ومن الواجب من العلماء قياماً بحق الوراثة التي شرفوا بها على لسان الشارع، أن ينهضوا إلى إحياء الرابطة الدينية، ويتداركوا الاختلاف الذي وقع في الملك بتمكين الاتفاق الذي يدعو إليه الدين، ويجعلوا معاقد هذا الاتفاق في مساجدهم ومدارسهم حتى يكون كل مسجد وكل مدرسة مهبطاً لروح حياة الوحدة، ويصير كل واحد منها حلقة في سلسلة واحدة، إذا أهتز أحد أطرافها اضطرب لهزته الطرف الآخر، ويرتبط العلماء والخطباء والأئمة والوعاظ في جميع أنحاء الأرض بعضهم ببعض، ويجعلون لهم مراكز في أقطار مختلفة يرجعون إليها في شؤون وحدتهم، ويأخذون بأيدي العامة إلى حيث يرشدهم التنزيل وصحيح الأثر، ويجمعون أطراف الوشائج إلى معقل واحد يكون مركزه في الأقطار المقدسة وأشرفها في معهد بيت الله الحرام حتى يتمكنوا بذلك من شد أزر الدين وحفظه من قوارع العدوان، والقيام بحاجات الأمة إذا عرض حادث الخلل، وتطرق الأجانب للتداخل فيها بما يحط من شأنها، ويكون ذلك أدعى لنشر العلوم وتنوير الإفهام وصيانة الدين من البدع. .)

هذه هي الأداة التي وقع عليها اختيار الأفغاني، وهذا هو البرنامج الذي وضعه لدعاة الوحدة وألسنتها، والظاهر أن الرجل في هذا الاختيار وهذا الإيثار قد تمثل أمامه ما كان لهذه الأداة من القوة والسلطة في الصدر الأول، وما كان للعلماء والأمة والوعاظ يومذاك من صلة محكمة بشئون الدين والدنيا، وأمور السياسة والملك، وأحوال الناس والعباد، ثم ما كان في نفوسهم وفي قلوبهم من إباء في الحق، وغيرة على الصدق، وعزة ترتفع بهم عن منازل الخضوع والخنوع، ولكن أين هم أولئك الوعاظ والخطباء والأئمة حتى يعلق بهم السيد الأفغاني كل الأمل في رأب الصدع، وجمع الشمل، وبناء المجد. لقد وقع الرجل بحسن ظنه بعيداً عن الحقيقة، واهماً في الأمل، ولو أنه تكشف بواطن الأمور في هذه المسألة لتبين أنه اختار للأمر أداة بطل عملها، وتفككت أوصالها، وفقدت قوتها، حتى أصبحت في نفسها وفي وضعها جزءاً من العلة، وأصلاً من أصول الداء، وعجيب أن يكون هذا أمل

<<  <  ج:
ص:  >  >>