للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهكذا تخرج إلى الدنيا (مدرسة جديدة)، وتبقى فيها ما بقيت صالحة لتلك الصفقات الخادعة، ثم تنطوي وتخلفها دواليك مدرسة أخرى على هذه الوتيرة، ولا تعقب بعدها أثراً من الآثار الباقية في عالم البلاغة والجمال.

وقد راجت الرمزية في الكتابة والشعر، كما راجت في النحت والتصوير، وشوهدت صور لبعض الناس لا يعرفها أصحابها، ولا يتفق اثنان من المصورين أنفسهم على عرفان ملامحها أو تفسير الغرض منها. وسئل واحد من هؤلاء المصورين عما يعنيه بهذا الخلط الذريع، فقال بلهجة هؤلاء المخرقين التي هي مزيج من لغة الدجالين والببغاوات: إن الكتاب الإنجليزي يقع في يد الرجل الذي لا يفهم الإنجليزية فلا يبصر فيه إلا خليطاً مشوشاً من الخطوط والنقاط. . . فهل يفهم من ذلك أنه كذلك، وأنه لا يشتمل على معنى من المعاني التي يدركها الإنجليزي، أو من يفقهون اللغة الإنجليزية؟

وهذا كلام دجالين وببغاوات لا يفهمون ما يقولون، لأن الناس لا يختلفون في رؤية الشمس كما يختلفون في فهم مئات الكلمات التي تدل عليها باللغات الإنسانية، ولأنهم لا يختلفون بالعيون والآذان والأفواه كما يختلفون بالألسنة والعبارات، وليس بين الرجل وبين مشابهة الإنجليزي في قراءة كتابة إلا أن يدرس الإنجليزية فينفذ إلى ما وراء الخطوط والنقاط من الألفاظ ومعانيها، فما هي الأداة التي يستعين بها الإنسان على فهم الصور التي لا تشبه أصحابها؟ أهي أداة الوعي الباطن، وهو لا يتماثل في رجلين اثنين على نحو واحد؟ أيصبح كل إنسان (فنا) وحده لأنه وحده صاحب الوعي الباطن الذي توارثه من آبائه وأجداده وأضاف إليه ما أضاف من مذكوراته ومنسياته؟

وكل مدرسة من هذا القبيل فهي مدرسة بكماء لا تستطيع أن تشرح مذهبها للناس إلا بمزيج من كلام الببغاوات، وكلام الدجالين.

ليكن الوعي الباطن حقيقة لا شك فيها، وهو كذلك حقيقة لا شك فيها، ولكنه كان حقيقة لا شك فيها من أقدم عهود المثالين والمصورين والشعراء في التاريخ، وقد عمل في شعر هوميروس عمله البديهي، كما عمله في شعر المتنبي والشريف وبيرون ولامرتين، وإنما كان يعمل عمله دون أن يلغي العيون والآذان، ودون أن يلغي الأذواق والأذهان، وعلى هذا ينبغي أن يمضي في عمله سواء ظهر فرويد أو لم يظهر في عالم الوجود، لأن فرويد لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>