للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الرقي في العصور الوسطى) وغيرها مما يلقى ضوءاً على الموضوع الأصلي؛ ولا يفوتنا أن نذكر مع مزيد الإعجاب أن المؤلف مهد لكتابه بفصلين في غاية الأهمية هما (وثبة العرب) و (سياسة العرب الدينية)؛ فأرانا في الفصل الأول، في تعمق ودقة وقوة بيان، تلك الروح التي سيطرت على العرب في جزيرتهم، وأرانا في الفصل الثاني، روح الإسلام في معاملة الأمم التي كانت تدخل في حوزته مورداً في ذلك كثيراً من الأمثلة والاقتباسات، شارحاً الأحوال الاجتماعية والسياسية التي كانت تسود ذلك العصر.

فأنت ترى من هذا الوصف الموجز أن الكتاب يجمع بين الفائدة واللذة، أبو بعبارة أخرى فهو للثقافة والاستمتاع.

أما طريقة الأستاذ في كتابة التاريخ فجديرة بالإعجاب حقا، فهو لن يسرد عليك الحوادث سرداً مملا، بل ترى له طريقة انقادت له وسهلت في يديه وأصبحت وقفاً عليه، طريقة طالما تطلعنا إلى وجودها في كتابه التاريخ باللغة العربية، فهو يحلل ويدقق، ويمحص الحوادث في نظام علمي دقيق، دون أن يملك أو يطوح بك في مجاهل مطموسة الصوى، جائرة السبل، وإنك لتحس شخصيته في كل عبارة من عباراته، لأنه يفرغ على القرطاس صور ذهنه، وحماس قلبه، كما أنك تلمس آثار جهوده في كل فقرة من فقراته، فتراه يعرض عليك الروايات المختلفة، والآراء المتنوعة، ثم يقف منها موقت الناقد الذي يمكنه من الحكم والفصل، ذاكرة قوية، وقراءة واسعة، وصبر شديد؛ ولن تراه يتهرب من نقطة أو يتحيز إلى رأي؛ كل ذك في فطنة ونفاذ بصيرة، فإذا أضفت إلى هذا أن الأستاذ عناناً مشغوف بموضوعات التاريخ الإسلامي، وأنه لن يكتب إلا ما جاشت به نفسه ونبض به قلبه، أمكنك أن تفهم الروح التي يكتب بها الأستاذ التاريخ، والواقع أننا لا نعدو الحقيقة إذاقلنا إن طريقة الأستاذ عنان في كتابة التاريخ قد ثبتت عندنا ناحية من نواحي الحركة الفكرية، كما أن الأستاذ نفسه قد صار ركناً وعلماً نفاخر به أهل الغرب، فطريقته العلمية الدقيقة في كتابة التاريخ تضع آثاره في صف مثيلتها في لغة الغرب، مما يعد مفخرة للعربية وأهلها.

وهناك ناحية أخرى في كتابة الأستاذ عنان جديرة بالتنويه، تلك هي أسلوبه، فللأستاذ أسلوب خاص، تحار إن أردت شرحه؛ فعباراته قوية وسط بين المقبوضة والمبسوطة، لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>