للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غايتي إذاً في الرمزية هو التعبير عن هذه الدقائق النفسية التي لا ريب قد شعر بها القارئ كل أو بعض الشعور، والتي يمكن على كل حال إحياؤها فيه. . . ووسيلتي - وهي أيضاً غاية بعض الرمزيين المنصفين - ليست الغموض وحده ولا الوضوح وحده ولكن تعانق هذين اللونين اللذين نجدها - كما يقول صديقنا الأستاذ بديع حقي - في كل شيء ضمته هذه الحياة، هذه الحياة التي هي نفسها تعانق وضوح وغموض. . . نعم صديقنا بديع - وهو أكثر ما أراه ميالا إلى الغزل وإلى وصف الطبيعة في شعره الرمزي - يريد أن تكون الرمزية صورة هذه الحياة. . . وله الحق. . . ولكن أنا. . . لا أريد من الرمزية إلا التعبير عن هذه العواطف الدقيقة وتلك المعاني المهمة بأسلوب يقتضيه الحال، فنكون بذلك قد خدمنا الأدب الرمزي خاصة والأدب العربي عامة. . . وأنا أقول هنا الأدب العربي لأن الأدب العربي لم يجهل قط في عصر من عصوره الإسلامية هذا النوع من النظم!! واليوم، يجب أن لا ننظر إلى الرمزية بعين الازدراء أو التعصب فنعدها خروجاً عن الأدب أو مفسدة للذوق الفطري الأدبي أو غير ذلك: ولكن يجب التعقل فيها!. نعم، نحن ورثنا عن القدامى رمزيات عديدة كتلك التي رمز إليها أستاذنا آنفا أو. تلك التي أسعدني الحظ ففصلتها في بحث يطول الآن اختصاره، قدمته لمباراة أبي العلاء التي أقامتها مجلة (الأديب) الغراء في السنة المنصرمة. . . فكان والحمد لله من الفائزين: وقد تبين لنا فيه أن المعري رمزي صوفي، لم يدفعه إلى الرمزية إلا تصوفه. . . وغير ذلك. . . ولكن يا حضرة الأستاذ ألا ترانا بحاجة إلى تجديد هذه المفاهيم الصوفية الرمزية العربية؟ إننا اليوم نرمز ونحن بعيدون عن التصوف بعد الأرض عن السماء، أفلسنا بحاجة إذاً إلى رفع لواء الرمزية الحقيقية حيث يكون (الرمز فيها ضرورة)

سيدي الأستاذ، أنا قد آمنت بهذه الرسالة التي يجب أن أحمل مشعلها في الأدب الحديث، باثاً هذه المفاهيم الشاقة الشيقة التي وجدت أيضاً (جذورها) عند منصفي الرمزية الفرنسية: عند (مالرمه) - وخاصة مالرمة هذا - و (فرلين) وقليلاً عند (رمبو). . وأنا اليوم أنظم على منوال مفاهيمي هذه التي رمزت إليها فوق، والتي أحب، بعد هذه الكلمات، أن أسمع أستاذي بعض ألحانها. . . فهل يتكرم الأستاذ فيبدي فيها رأيه، بعد ما أتيحت لي هذه المناسبة السعيدة التي تجعلني أومن كل الإيمان بأن (الرسالة) هي تاريخ هذا العصر الأدبي

<<  <  ج:
ص:  >  >>