للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في تواريخ الأمم وحوادث الدنيا؟. . .)

نعم هذا هو الضلال الذي طير صواب هتلر فطار معه صواب الألمانيين، لأنهم لا ينظرون إلا كما ينظر القادة والزعماء في أصغر الهنات وأخطر الأمور.

لقد عصفت التربية السياسة الناقصة بكل فضيلة من فضائل هذه الأمة الألمانية، وحرمتها ملكة الابتداع حتى في العلم والصناعة. فاشتهر الألمان بأنهم محسنون مكملون لما يخترعه الآخرون ولم يشتهروا بأنهم مخترعون مبدعون. وتبين ذلك في الطيارات والدبابات التي هي عدتهم في مقومة الأساطيل البحرية، فإنهم كانوا يشتغلون بالمناطيد يوم كان العالم كله يشتغل بالطيارات على اختلافها، ولما التفتت الأمم إلى الطيارات واستخدامها في الحرب كرة أخرى كانت طيارات الألمان دون غيرها في الصناعة والقيادة والتأثير.

ولقد شاع بين الشرقيين كما شاع بين غيرهم أن هؤلاء الألمان يحسنون ما لم يحسنه الأوربيين، لأنهم يصنعون الأدوية والمواد الكيمية التي تنقطع عن العالم بانقطاع مواصلاتهم فلا تعوضها الأدوية من سائر البلدان

وهو وهم فارغ كان يسهل علينا نحن المصريين أن ندرك حقيقة إذا التفتنا إلى ما يجري في بلادنا ونصنعه بأيدينا، فنحن نستورد القمح والدقيق وبلادنا تستورد القمح ونطحن الدقيق، وإنما نفعل ذلك من لأن زراعة القطن أنفع لنا - أو كانت أنقع لنا - من زراعة الحبوب. . . فليس في الأمر عجز ولا قصور.

وكذلك الألمان والصناعات الكيمية في القرنين الماضيين، فإن علم الكيمياء الحديث قد راج في أوربا يوم كانت البلاد الإنجليزية والبلاد الفرنسية ذوات منشآت تدار على نسيج الصوف والقطن وعلى مصنوعات المعادن والأخشاب، فلم يكن معقولاً أن تلغى هذه المصانع والمنشآت وأن تحل الشركات التي تديرها لتعود إلى إدارتها على الأدوية والكيميات، وإنما كان المعقول أن تترك هذه الصناعة لألمانيا كما تركت صناعة الألبان للدنمارك مع وفرة الألبان في المراعي الإنجليزية والفرنسية. وما اضطرت أمم أوربا وأمريكا قط إلى استخراج مادة كيمية إلا أتقنتها كما أتقنها الألمان أو فوق إتقان الألمان

فالنقص في التربية السياسية هو علة النقص في استقلال الرأي حيث كان، ولو تجاوز مجال الحكم والشورى إلى مجال الرأي والابتداع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>