للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولا ريب أن العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة تتوقف على الغريزة ولا تتوقف على آداب الاجتماع؛ فإن عطف الأب والأم على ولدهما أشد في كل مجتمع من عطف الولد على أبيه وأمه، ولو لم تكن غريزة حفظ النوع هي الغريزة الغالبة في إنشاء هذه العلاقات لكان حب البنين للآباء كحب الآباء للبنين، بل لو جب أن يختلف الأمر اطراداً إذا كان مرجع الأمر كله إلى آداب الاجتماع، لأن حاجة الأبناء إلى الآباء من الوجهة الاجتماعية أكبر من حاجة الآباء إلى أبناء

ولا يقال في هذا الصدد إن بعض الآباء قساة وبعض الأبناء رحماء، فإن الغريزة الحيوانية أو الإنسانية لا تستلزم المساواة بين جميع الأفراد ولا تمنع الشذوذ في بعض الأحوال

وقد وجدت الصلة بين الأم وذريتها، حيث لا يوجد شيء قط غير قوة الغريزة في أحوال الفرد أو في أحوال الجماعة، فوجدت هذه الصلة في الحشرات والهوام وتتابع الارتقاء فيها على حسب الارتقاء في نمو الغريزة لا حسب الارتقاء في آداب الاجتماع

وجاء في كتاب الحشرات الاجتماعية للأستاذ وليام هويلر أستاذ علم الحشرات بجامعة هارفارد: (أنه قد حدث على التحقيق تطور طويل الأمد في أدوار عدة تزداد بها الصلة بين الأم وذريتها منذ الدور الأول الذي يخلو من كل اكتراث بالذرية إلى الدور الذي يتم فيه التعاون المتبادل بين الفريقين، ونستطيع أن نرتب سلسلة هذه الأطوار على ما يأتي دون أن نتوقف لإيراد الشواهد التي سيمر بك الكثير منها، فهي على الترتيب:

أولاً: تبذر الأم بويضاتها في البيئة التي يعيش فيها أبناء نوعها، وقد تبذر البويضات في بعض الأحوال إلى جانب المادة الغذائية التي تأكل منها بعد فقسها

ثانياً: تضع الأم بويضاتها على جزء من البيئة كأوراق الشجر التي تصبح غذاء للديدان المفقوسة

ثالثاً: تزود بويضاتها بغطاء واق، وربما اقترنت هذه الحيطة بالدورين الأول والثاني اللذين تقدما

رابعاً: تبقى الأمم مع بويضاتها والديدان المفقوسة منها وتحميها

خامساً: تضع بويضاتها في حرز مصون أو مكان مهيأ لها - كالعش وما إليه - مع مؤنه من الغذاء ميسرة للديدان بعد فقسها

<<  <  ج:
ص:  >  >>