للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المعارف في مصر وفي أوربا، مائتين يحسنون اللغة العربية ولغة أخرى أوربية، وتعليمهما كما نظن يبتدئ مع الدراسة الابتدائية، وينتهي مع الدراسة الجامعية! فإذا سلمنا لهم أن ذلك هو الواقع فإن في الإمكان أن يسدوا هذا العوز بطائفة من إخواننا العرب، إذ الغرض العلمي واحد، والتعاون الثقافي قائم. فإذا أعيانا الوصول إلى هذا، كما أعيانا الحصول إلى ذاك، بدأنا العمل بمائة أو بخمسين ثم بعثنا إلى أوربا في كل سنة عشرة من خريجي الأزهر ودار العلوم والجامعة يخصون في درس هذه اللغات حتى يبلغ النصاب عدده. ولو أن (البعثة الفهمية) - ولها في ذمة الوزارة ستمائة فدان من أخصب الأرض - سارت على النهج الذي رسمه لها صاحب المعالي حلمي عيسى باشا لما شكونا هذا النقص وأحسسنا هذا القصور

كذلك يقولون إن هؤلاء المترجمين إذا تيسر الحصول عليهم سيصيبهم داء الموظفين فيعملون عُشر ما يستطيعون؛ وإذن يكون عشرون يرأسهم ضميرهم، خيراً من مائتين يرأسهم كبيرهم. ودواء ذلك إذا جاز أن يكون عين كلوء تراقب، ويد حازمة تصرّف، وتحديد يومي لإنتاج المترجم يطلب منه ويناقش فيه ويحاسب عليه

أما غير هذين الاعتراضين على تهافتهما فمرده إلى الهوى لا إلى العقل. والحق أن الغار الذي ضفره عطارد لهذا العمل العظيم الخالد لا يزال مرفوعاً بين يديه ينتظر الرؤوس التي تستحقه. وما زالت قوى الأمل في أن يكون من نصيب الصديقين العزيزين عبد الرزاق السنهوري وأحمد أمين. فليت شعري أهو الحذر الذي يخطئ، أم هو القدر الذي يصيب؟

يا معالي الوزير! إنا أمة جاهلة فينا أفراد يعلمون. وإن من الخزي أن نظل كذلك وآباؤنا هم الذين علموا الشعوب ومدنوا العالم! إن الجهل باللغات الأجنبية عندنا مذمة وهو عند غيرنا محمدة، وعلة ذلك أن لغتنا لا تزال لغة العلم القديم؛ فمن اكتفى بها أتهم بخفة الوزن وقلة العلم. وهيهات أن ندرأ عنها وعنا هذه المعرفة إذا لم تنقل إليها المعارف الحديثة على الوجه الذي أقترح! بهذا وحده يا معالي الوزير تعود لغتنا إلى الحال التي قال فيها كاهن قرطبة أيام كنا سادة الأندلس: (إنا نحب أن نقرأ الشعر والقصص، وندرس الدين والفلسفة في اللغة العربية، لأنها لغة عذبة الألفاظ بليغة الأداء. ولا نكاد نجد فينا من يقرأ الكتب المقدسة باللغة اللاتينية، وشبابنا الأذكياء كافة لا يعرفون غير لغة العرب وآدابهم. وكلما

<<  <  ج:
ص:  >  >>