للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هي إذن قد خلقت له ولن يدعها ولن يتخذ غيرها زوجاً، إذا ماتت زوجه النائية، ثم تستحيل هذه العواطف ويستحيل هذا التفكير إلى فن من الفلسفة، يضعه (أغست كونت) في رسالة، ويهدي الرسالة إلى الفتاة بهذا العنوان: (رسالة فلسفية في التذكار الاجتماعي). في هذه الرسالة يتغير رأي (أغست كونت) في المرأة ومكانتها الاجتماعية تغيراً تاماً. فقد كان منذ أشهر يكتب إلى تلميذه (ستوارت ميل) فيرى أن ليس في المرأة أمل ولا خير، أما الان فهو يرى المرأة عنصراً أساسياً في الإصلاح الاجتماعي الذي وقف نفسه عليه، وقد سرت الفتاة بهذه الهدية، وكبرت في نفسها فزارت الفيلسوف مع أمها شاكرة له.

هنالك نشط الأمل وتجددت الحياة، واعتقد الفيلسوف أنه سعيد. واستأنف إلحاحه على الفتاة، واستأنفت الفتاة مدافعته عن نفسها، واحتالت في ذلك حتى زعمت له أنها قد أحبت من قبله فتى كان لحبها أهلا، وأحبها الفتى وسعد بهذا الحب؛ ولكن لم يجدا إلى الزواج سبيلا، لأن الفتى كان معلقا مثلها يخاصم امرأته ولا يستطيع لها فراقا، فيئست من الحب والسعادة، وأزمعت أن تنصرف عن لذات الحياة أبدا. ولكن الفيلسوف مغرم، والغرام لا يعرف اليأس، وهو إذا كان صحيحاً قويا قد يتحول ويتشكل، ولكنه لا يزول. وما الذي يمنع غرام كونت أن يتخذ شكلا فلسفيا ولو إلى حين. لقد كان عود نفسه الحرمان منذ دهر طويل، فألغى القهوة منذ عشرين سنة، وترك التدخين منذ عشر سنين، ثم ألغى النبيذ ثم ألغى الفاكهة، ثم اتخذ ميزانا يزن به ما يلائم حاجة جسمه من الطعام الخشن، وكان ربما يكتفي بالكسرة من الخبز يتبلغ بها، وهو يفكر في إخوانه من الناس الذين قد لا يظفرون بمثلها. وما دام قد سيطر على نفسه إلى هذا الحد، وعودها هذا الحرمان في الطعام والشراب، فما له لا يزيد هذه السيطرة وما له لا يعود نفسه الحرمان لا في الحب بل في لذات الحب. إذا فليبق حبه قويا حارا؛ ولكن ليظل هذا الحب نقيا طاهرا مجدبا من كل لذة، ولينتظر، وليجتنب اليأس، فكل شيء يدني الفتاة منه، وكل شيء يدنيه من الفتاة. لقد أصبحت زميلة له منذ نشرت بعض الصحف السيارة لها قصتها التي وضعتها عن نفسها فأصبحت كاتبة مثله تتحدث إلى الناس في الأدب كما يتحدث هو إلى الناس في الفلسفة. هما إذا زميلان، بل هما اكثر من زميلين؛ فقد أخذت الفتاة تدنو من مذهبه في الفلسفة، وتحس ميلا إلى آرائه الاجتماعية، وتكون منه مكان التلميذ والنصير. فليحب إذا وليصبر، وفي أثناء ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>