للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشعوب من مقومات شخصيتها، وتجردها من كل ما يذكرها بمجد تليد، أو يحفزها لعمل مجيد؛ وتلهيها عن مثلها العليا بخلق أسباب التناحر بين أفرادها، وتطفئ جذوة الإيمان بالحرية المستقر بالفطرة في كل نفس بشرية بما تقدم من نفايات حضارتها ومادية مدنيتها.

ألا ترى كيف فرضت لغتها على المدارس بشتى درجاتها يلقنها الطفل قبل أن يلقن لغة بلاده، ويتعلم بها كيف يعبر ويفكر ويحسب!؟ أليس من الخزي أن يعلم تاريخ هذه البلاد العربية وجغرافيتها باللغة الفرنسية؟! إن اللغة رمز القومية، وعنوان الشخصية، فإذا لهج إنسان بلغة غير لغته في حديثه المعتاد ومع أهل بيته وجنسه، فهل ثمة ما يفصح عن قوميته ويدل على شخصيته؟ إن الوجوه تتشابه، والعقول تتكافأ، ولكن اللغة وحدها هي التي تفرق بين أمة وأمة. ولأمر ما يعتز الإنجليزي بلغته، حتى وهو غريب، ويفرضها على الناس فرضاً في الفنادق والمتاجر في أوربا نفسها، ولا يفكر في تعلم لغة البلاد التي يستوطنها

إن لغة أي بلد تحمل في طياتها تاريخها، وحضارتها، وعصارة أفكار أجيالها السالفة وآدابها، وأمثالها؛ وتذكر دائماً بماضي تلك الأمة، وهي رمز الشعور المشترك بين أفرادها؛ فإذا عاقها أبناؤها وأنفوا من التكلم بها، وفرض عليهم الدخيل لغته، فقد اقتطعتم من كل ما يذكرهم بكيانهم الخاص وبدد ما بينهم من شعور بالقومية. وهذا ما عملته فرنسا في الجزائر، وشمال أفريقية ولبنان وسوريا.

أولا ترى كيف أضرمت فرنسا في هذا البلد نار الطائفية الدينية، بل فرقت بين أبناء الدين الواحد، وجعلتهم مذاهب وشيعاً، وزادت هوة الخلاف ينهم، وجذبت إليها بعض رؤسائهم وأغدقت عليهم النعم، ومدت لهم في أسباب المودة، وأضفت عليهم الألقاب حتى يمنعوا في خلافهم، وخلقت لهم المناصب، ووزعتها طبقاً للطائفية؟ فكيف يرضي هؤلاء وقد نعموا بالرياسة أن يخضع بعضهم لبعض؟ أو لم تسمع بالرب (سليمان)؟

قلت: كلا!، قال: إنه شخص يدعى الألوهية بجبال العلويين؛ ويزعم أن روح الله حلت به، وقد اعترفت فرنسا بألوهيته، وحين ينزل بيروت تضيفه الحكومة الفرنسية في أرقى الفنادق، وتحيطه بحرسها وجندها، وتقله في أفخم سياراتها، وتوهمه أنه إله حقيقي لا مرية فيه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>