للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

الماضي الخالد

سيدي الأستاذ الجليل عباس محمود العقاد

أطلعت أخيراً على أحد المنشورات البريطانية عن تاريخ اهتمام الإنكليز بالعرب واللغة العربية، وقد جاء في ذلك المنشور ما يأتي:

(من بين أولئك الذين تأثراً عميقاً بالعلوم العربية الفيلسوف العظيم (بيكون). ومما يستحق الذكر أن أول كتاب طبع غب إنكلترا، وهو كتاب كلمات الفلاسفة وحكمهم كان مؤلفاً على نسق كتاب عربي أسمه (مختار الحكم ومحاسن الكلم) الذي ألفه عام ألف وثلاثمائة وخمسين بعد الهجرة (الأمير المصري مبشر بن فاتك)، ولم النص العربي لهذا الكتاب، ولكن له نسخة مخطوطة في هولاندا، وقد ترجم هذا الكتاب إلى معظم اللغات الأوربية، وقد كان في وقت من الأوقات صاحب شهرة عظيمة في الشرق).

فهل قرأت يا سيدي العزيز هذا الكتاب في الإنجليزية؟ وإذا كان الأمر كذلك فما رسالته؟ وكيف انتقلت النسخة المخطوطة إلى هولاندا؟ وفي أي عصر كان هذا الانتقال؟ وإذا كان (بيكون) قد تأثر بهذا الكتاب فما مبلغ تأثره وما نتيجة ذلك؟ وإذا كان هذا الكتاب قد ترجم إلى معظم اللغات الأوربية فأين النص العربي الآن؟

ومتى نعرف أن (سير وليم جونس) ترجم المعلقات السبع، وأن (هندلي) ترجم المتنبي، وأن (جورج سيل) ترجم القرآن الكريم، وأن (بوكوك) ترجم لامية الطغرائي ومختصر الدول، وأن (أوكلي) ترجم رسالة حي بن يقظان لابن طفيل؟! وإلى متى نظل في مهاتراتنا حول قضية القديم والحديث، وهذا عالم إنجليزي لا يحضرني أسمه لابن أخيه: (إنني وقائدي ودليلي العقل قد تعلمت شيئاً من أساتذتي العرب، ولكنك يا بني قد تعلمت شيئاً مختلفاً عنه، فلقد بهرتك مظاهر السلطة فوضعت في رأسك لجاماً تقاد به، وكما أن الحيوانات تقاد من مقودها حيث يشاء الإنسان دون أن يدري لِمَ تُقاد وإلى أين. . كذلك كثير منكم يوسف في أغلال البساطة ولا يدري أين يُذهب به) وأقول إن أولئك الذين يعرفون ما كتبه العرب يدركون لأول وهلة مصادر الدرس الذي تعلمه هذا الفيلسوف، وأن أولئك الذين تعلموا علوم العرب ودرسوا لغتهم ليدركون كل الإدراك معنى هذا الدرس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>