للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قبيح بفَود الشيخ تشبيه لَونه ... بفَود الفتى والله يعلم ذلكا

تأخُّرَ الشيبِ عنّي مثلُ مَقدمه ... على سواي ووقت الشيب ما حضرا

ثم ذكر في مواضع كثيرة لا تقل عن عشرة، شيبَ رأسه وبياضَ شعره، مثل قوله:

نمنا على الشَّيب فهل زارنا ... طيف لأصل الشرخ منتابُ

كانت مفارق جُون ... كأنها ريش غِربه

ثم انجلت فعجبنا=للقار بُدِّل صَربه

أأذهِب فيكمُ أيام شيبي ... كما أذهبتُ أيام الشباب

قد شاب رأسي ومِن نَبت الثرى جسدي ... فالنبتُ آخر ما يعتو بِه الزهَر

أيها الشيب لا يريبُك من كفِّي ... مِقصٌّ ولا بُواريك خِطْر

إن نهيتَ النفس اللجوجَ عن الإث ... م وطابت فإنما أنت عِطر

فقد نظمت اللزوميات وشعره أسود، ثم استمر النظم حتى شاب. وهذا يلائم السن التي ذكرتها والتاريخ الذي حددته. ولو أنه نظمها كلها قبل الأربعين لما ذكر الشيب، ولما استبطأه.

ولو نظمها كلها بعد الخمسين لما ذكر بعد الخمسين لما ذكر المفرق الحالك والشعرات السود ولا يجوز أن يدعى أنه نظم قبل الشيب واستمر ينظم حتى مات، وسن الشيب متصلة بالموت. فقد دلت الأدلة الأخرى على أنه لم يستمر في النظم طول عمره.

ويمكن أن يقال: إن كان أبو العلاء فرغ من نظم اللزوميات أو كاد حين بلغ الخمسين فكيف ذكر الكبر متبرِّما، وطول الثواء متململا، وذكر دنو الأجل وقرب الرحيل، وسقوط الأسنان، في مثل قوله:

طال الثواء وقد أَنَى لمفاصلي ... أن تستبدَّ بضمِّها صحراؤها

وما زال البقاء يُرِثُ حبلى ... إلى أن حان للمَرَس انقطاع

أعلِّل مهجتي ويصيح دهري ... ألا تغدو فقد ذهب الرفاق

تخلفتَ بعد الظاعنين كأنهم ... رأوك أخا وهن فما حملوكا

أيتها النفس لا تُهالي ... شرخي قد مرَّ واكتهالي

لم يبق إلا شفاً يسيرٌ ... قُرِّب من مورِدي نِهالي

<<  <  ج:
ص:  >  >>