للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ارتد قبعتك وسترتك على عجل واصحبني. . . فقد مات أحد رفقائنا ونحن على وشك أن نشيعه إلى الآخرة، ولذا وجب عليك أن تودعه بكلمة من كلماتك الرائعة فأنت أملنا الوحيد، ولولا أن ذلك الفقيد له مقام في المجتمع ويستحق ما يقال في تأبينه لما أتعبناك وأزعجناك، ولكنك تعلم إنه كاتب الجامعة وناموسها والدعامة الراسخة التي كانت تعتمد عليها الإدارة، فينبغي أن نشيعه ولو بحديث لائق. . .) فقال زبوكين بغير اكتراث: (هه. . . كاتب الجامعة! أتعني ذلك الرجل السكير؟!)

- (نعم. سيكون ثمة فطائر وغذاء. وستنال أجرة العربة. . . هيا، عجل يا عزيزي، يكفيك أن تلقى ببعض الألفاظ الحزينة عند القبر كما كان يفعل سيكرو العظيم. . . آه كم ستحوز من الشكر والثناء!)

فوافق (زبوكين على الفور وراح يعبث بغدائر شعره وجعل على سحنته مسحة كآبة وحزن، وانطلق في الطريق بصحبة (بيلافسكي)، وقال وهو يهم بركوب العربة: (إني أعلم من هو كاتبكم هذا. . . رجل شرير خبيث، وحش لم أصادف نظيره في حياتي. . . فليكن الله في عونه).

- (آه. . . (جريشيا) هيا معنا فليس من العدل أن نسيء إلى رجل ودع الحياة).

- (لا مجال للشك في ذلك: (فما يذكر للميت سوى حسناته) ولو كان شريراً. .).

وأدرك الرفاق الثلاثة موكب الجنازة، وراحوا يسيرون معه. أما النعش فكان يتقدم وئيداً وعلى مهل حتى أنهم استطاعوا - قبل وصولهم إلى المقبرة - أن ينسلوا ثلاث مرات إلى حانة خمر وينهلوا بعض الأقداح (نخب) حياة الراحل (الكريم).

وفي المقبرة راح الجميع يصلون إلى جانب اللحد. . . أما حماته وزوجته وأختها فأخذن يذرفن الدمع - مراعاة للتقاليد والعادات - وعندما واروا النعش في التراب صرحت الزوجة في لوعة وأسى (دعوني أرحل معه) ولكنها لم تصحب زوجها إلى القبر فقد تذكرت ما ستنال من معاش الفقيد. . .

ولبث (زيوكين) حتى خيم الصمت على الجميع. . . فخطأ إلى الأمام. . . وراح يقلب طرفه في الحاضرين. . . وبدأ يقول:

(أأصدق ما تراه مقلتاي، وما تسمعه أذناي؟. . لا. إن هذا إلا أضغاث حلم مزعج. . . هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>