للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حتى يجعل من الوقائع حقائق يقبلها العقل، ذلك لأن الواقعة التي تريد أن تؤكد نفسها من غير تفسير أو علة، لا يمكن أن تكون حقيقة مقبولة، لأنها وهي تقرر وجودها تنكر شرطاً أساسياً للوجود الحقيقي. أن الوقائع المنفصلة - كما يقول كروتشه - جافة وثقيلة، ولابد للفكر من أن يغمرها بقبسه حتى تكتسب الصفة العقلية: (أن الوثائق والآثار تعود إلينا برجالها، فنتمثلهم أحياء عاملين منفعلين، نتمثلهم بأصواتهم وهيئاتهم وعاداتهم، وكأنهم عابروا سبيل التقينا بهم منذ فترة قصيرة. . . ولكن تبقى خطوة ثانية، هي البحث عن الرجل الخفي وراء الرجل الظاهر، البحث عن المركز ومجموعة الأعضاء والعوامل الداخلية التي كانت علة حدوث الوقائع. . . تلك هي الدراما الداخلية، شيء يختلف عن جمع الأخبار). والقاعدة الأساسية لتي يعرفها المؤرخ الآن (اجمع الأخبار ثم اربطها علمياً وفسرها)

الخطوة الأولى إذا في العمل التاريخي هي جمع الأخبار وتحديدها تحديداً علمياً دقيقاً. والخطوة الثانية، وهي التاريخ بمعناه الحقيقي تتجه إلى تفسير الوقائع والكشف عن الروابط العلية التي ترتبط بها الأحداث التاريخية

ولما كانت عملية التفسير التاريخي عملية ذاتية تعددت النظريات واختلفت الاتجاهات، ومن هنا جاءت كتب التاريخ مصبوبة في قوالب مختلفة وفي كثير من الأحايين متناقضة

والذي نبغيه من هذا البحث العلمي هو تحديد هذه الاتجاهات المختلفة، وبيان أوجه النقد فيها، ثم نحاول أن نكشف عن هذا الاتجاه الجديد الذي يمكن رد الأبحاث التاريخية فتسلم من وجوه النقد. وسنرى أن هذا الاتجاه هو علم الاجتماع الحديث، فموضوع التاريخ وعلم الاجتماع واحد، وهو الإنسان في نشاطه الاجتماعي.

والاتجاهات المختلفة في التفسير التاريخي يمكن أن تنقسم إلى قسمين:

١ - نظريات ميتافيريقية أو ميتافيزيقية مقنعة بحجاب علمي

٢ - نظريات علمية

أولاً: النظريات الميتافيزيقية

١ - النظرية الدينية: تتلخص في القول بوجود علة متعالية هي رائدة الأحداث التاريخية تحددها وتقودها نحو غاية يعلمها الله. وهذا التفسير لا يزال له أنصار معاصرون مثل

<<  <  ج:
ص:  >  >>