للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأما الفقهاء فقد كبلهم التقليد فلم يغنوا بكتب الحديث ولم يعطوها حقها من البحث والدرس كما أعطوا كتب شيوخهم، ولم يجعلوها بعد كتاب الله من مصادرهم التي يأخذون منها أحكام دينهم، - وإنهم عفا الله عنهم لم يتفقوا على الأخذ بالراجح من الأدلة فترى كل فريق قد ذهب في طريق الآخر - وإذا وجد من الأحاديث حتى الواهية ما يتفق ومذهبه أخذ به - وقد يأخذ ببعض الحديث ويدع بعضه، أما ما يخالف مذهبه ولو كان مما رواه الجماعة فإنه يرفضه ولا يرتضيه وبهذا الصنيع كثر اختلافهم وتعددت مذاهبهم، ومن أجل ذلك وقف سير الفقه وسكنت حركته، ولقد أعانهم على عملهم هذا أن أحكامهم مبنية على ما غلب على الظن صدقه ولكل أحد أن يأخذ من الأدلة بما يطمئن به قلبه، وإن أئمتهم قد ماتوا قبل ظهور كتب الحديث المشهورة وأن هؤلاء الأئمة أنفسهم قد كانوا مختلفين في الأخذ بما جاء عن الرسول من أحاديث فما يأخذ به هذا يدعه ذاك وهلم جرا.

ولو أنت رجعت إلى كتب العلماء المحققين وبخاصة كتاب أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية لوجدت فيها أحاديث، كثيرة جداً لم يأخذ علماء الفقه بها ولم يخالفوا مذاهبهم من أجلها، وبذلك أصبحت كتب الحديث في ناحية الإهمال منهم، وإذا ما رجعوا إليها فإنما يكون ذلك للتبرك بها أو لدفع النوازل بأسرارها، ومن عجيب أمرهم أنهم وقد جعلوا حديث الرسول وراء ظهورهم لا يزالون يقولون بأنه الأصل الثاني من أصول دينهم.

علماء النحو

وأما أئمة النحو فلم يجعلوا الحديث من النصوص التي يستشهدون على قواعدهم بها لأنهم قد استيقنوا أن رواية نصوص الحديث الصحيحة قد انتثر عقد تركيبها ولم تأت عن النبي بحقيقة لفظها ولا يعلم أحد على التحقيق ما هي الصورة الصحيحة التي نطق بها وقاعدتهم التي اتفقوا عليها أنهم لا يستشهدون إلا باللفظ المتواتر والنص الصحيح، وعلى أنهم قد تركوا الاستشهاد بالحديث الذي جاءهم عن نبيهم فانهم يأخذون بكلام الأعراب الذين يبولون على أعقابهم.

ولما انكشف لي ذلك وغيره مما لم أذكره هنا وبدت لي حياة (الحديث المحمدي) واضحة جلية أصبحت على بينة من أمر ما جاء عن الرسول من أحاديث فآخذ منها ما آخذ وقلبي

<<  <  ج:
ص:  >  >>