للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة مصرية:

حزن وسرور. . .

للأستاذ نجيب محفوظ

كانت أسرة هانئة البال، يرعاها فتى في الخامسة والثلاثين، وتتعهدها بالعناية والتدبير أم حنون، وتعيش في كنفها أخت في مراقي الشباب الأولى. لم تكن من الثروة في شيء، فمرتب الفتى لا يجاوز الخمسة عشر جنيها وهو كل مالها. ولا كانت غفل الزمان عنها، فقد فقدت راعيها الأول الأب والابن في المراحل الأولى من التعليم الثانوي وأخته في مدارج الطفولة، فلاقت متاعب شديدة من الحاجة والضنك قبل أن بلغت بر الاستقرار والأمان. أنها كانت تعودت الشدة والبؤس على عهد الكفاح الذي أعقب وفاة الأب، فانتقلت بتوظيف الابن إلى حال من اليسر لم تكن - على بساطتها - تحلم بمثلها، وصارت أسرة هانئة البال، ودام لها هذا الحال خمسة عشر عاما، حتى أذنت مظاهرها بما هي مقبلة عليه حتما من التغيير والتطور وفق ما تقتضيه طبائع الأشياء وسنن الحياة. ففتاها بلغ حدا من العزوبة لا يجوز أن يتعداه، وإحسان أوفت على العشرين، فبات زواجها ينتظر اليوم أو غدا، وبدت الأم في شيخوختها تحث الخطو في مفترق الطرق. حقا أن كل شئ ينذر بالتغيير وغدا تنقسم هذه الخلية الواحدة فتصير خليتين، وتأخذ كلتاهما نصيبها المستقل من الحياة والنمو المتكاثر. وجاء الغد ولكن بما لم يكن في حسبان. فقدت هذه أسرة الشاخصة إلى الأفق بعين الرجاء عاهلها الأوحد. . . ذهب الرجل بأسرع مما يخطر على بال في عزة الشباب وعنفوانه. فما كان إلا أن وجد دملا في ساقه اليسرى، وأهمله أياما فبرز وغلظ ثم عالجه بإبرة محماة ففتحه، ولكنه لم يوله ما هو أهل له من العناية والتنظيف، فورم مرة أخرى وامتد ورمه شيئاً فشيئا، وسرى الألم في الساق كلها، فمضى يتصبر على آمل أن تزول تلك الإعراض وحدها، حتى أقعده الألم عن الحركة، واستدعي عند ذلك الطبيب فأشار في الحال ببتر الساق. . . وحمل إلى المستشفى وأجريت العملية فانتهت بغير السلامة، واسلم الروح ومضى بصحبته ورجولته ونفعه. وأوشكت الأم العجوز أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>