للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منهجيهما ويلائمون بينهما وبين حياتهم، ولم يتركوا من أدب المهجر ما راقهم من موضوعاته ومعانيه. وإنك لتلمس في الأبيات الآتية وهي (للغزاوي) تأثراً بالأدب العربي القديم في أساليبه ومعانيه وتجديدا في قليل من الأخيلة والمعاني:

حمائم إليك أبكاكِ ذو شجن ... أصفيتهِ الحبَّ إسراراً وإعلانا

وبتِّ فيه على ذكرى وموجدة ... تذرين دمعكِ أسجاعاً وألحانا

وظل دأبك في الأسحار أغنيةً ... يخالها السمع بالتوقيع عيدانا

فما بنفسي مما تشتكي حُرَقٌ ... ولا تعشقت آراماً وغزلانا

لكن سكبت دمي دمعاً على وطني ... قد كان في المجد والتاريخ ما كانا

على أن تأثر هذه الطائفة بالشعر القديم يبدو في طريقة الشعر نفسه فالغزاوي في قصيدة له عنوانها (منازه الطائف) يملؤها بذكر الأمكنة على طريقة الأقدمين في ذكر الديار والأطلال فهو يقول فيها:

وتهفو بنا النسمات حين هبوبها ... إلى فرصِ اللذاتِ تحت الكواكب

(بوجٍ) وفي وادي (العقيق) ودونه ... وفي (ليةٍ) أو بين (قرن) النجائب

وفي (الوَهطِ) المخضر أو في (وهيطه) ... وفوق (الشفا) أو في أديم السحائب

ويقول:

ولا أنس (بالمثنات) ليلات أنستنا ... وبين (الهدى) أو في جوار (الكباكب)

وهكذا يسير الشاعر في قصيدته معددا الأماكن التي ألفها وأقام بها. ولكن هذا التقليد للأقدمين لا يعدو الطريقة؛ فإن الشاعر متأثر بهذه الأماكن وله فيها ذكريات، ولا يعاب عليه أن يذكرها في شعره؛ لأنه ذكر العالم بها المتأثر بما فيها.

أما المدرسة المسرفة في التجديد فقد تعلقت بالثقافة المنقولة عن الغرب ومالت إلى أدب أدباء المهجر من أمثال جبران والريحاني وأبي ماضي وفرحات وغيرهم؛ وذلك لأن شعراء هذه المدرسة لمسوا في أدب المهجر ثورة على القديم وجرأة في التجديد وصراحة في الحق، فعكفوا على هذا الأدب لأنهم وجدوا فيه غذاء حركتهم الناشطة ومشعلا يضيء لهم جوانب الحياة التي يرجونها وهي التجديد السريع.

وجد شعراء هذه المدرسة جبران ينعى على التقليد ويحط من شأنه حين يقول: (. . . ليكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>