للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه بعض أوليات البلاغة. وقد تبسط فيها الأستاذ البليغ أحمد حسن الزيات صاحب الرسالة في كتابه (دفاع عن البلاغة)، ومباحثه في هذا الكتاب طريفة؛ فهو يعطي للبلاغة صفة الفلسفة ويكتب فيها كفيلسوف مركبا في فصل آلة البلاغة، ومحللا في فصل الذوق، ومركباً ومحللا معاً في فصل الأسلوب. وهو الفصل الذي أفاض فيه بتبيان صناعة القلم من جميع وجوهها. ولا بدع أن تكون البلاغة ضرباً من الفلسفة، لأن المعنى واللفظ متلازمان ملتحمان، الثاني صورة للأول، والأول نتاج العقل، فبراعة الكاتب تظهر في استطاعته أن يلائم المادة بالعقل وأن يلبس المعنى الثوب اللفظي الأنيق اللائق على قدره لا أضيق ولا أوسع

ولأن البلاغة ضرب من الفلسفة فهي في رأي الأستاذ الزيات كسائر الفنون طبيعية موهوبة لا صناعة مكسوبة. ولعله تطرف في هذه العقيدة أو غالى في قصرها على الفن؛ لأن هناك ضرباً من الكلام مكان الفن فيه قليل أو عديم. إذا كتبنا عن سر القنبلة الذرية لا نجد موضعاً للفن إلا إذا كتبنا عن تأثيرها في الحرب أو الاجتماع. يكفي أن نحسن كشف السر وبسطه من الناحية العلمية لكي نجلوه للقارئ جيداً. فالبلاغة في هذا المجال صناعة مكسوبة أكثر مما هي فن موهوب. وفي كلتا الحالتين لا غنى عن القواعد للإيضاح والاجترار من اللبس

إن تطبيق اللفظ على المعنى هو غاية البلاغة القصوى سواء كانت فنا أو صناعة. والأستاذ الزيات قد أجاد كل الإجادة في فلسفة البلاغة وضرب بكل سهم في مذاهبها. فهو إذن نبراس الهدى لأهل البراعة.

في حين أن ظهر كتاب (دفاع عن البلاغة) ظهر كتاب (البلاغة العصرية واللغة العربية) للأستاذ سلامة موسى. وهو كتاب طريف المباحث أيضاً. لا أظن أحداً خاض فيهما قبله أو سبقه إليها. هو فلسفة الكلام أو الكلمات. أو لك أن تقول هو فلسفة تطبيق اللفظ على المعنى بمقتضى حاجة العصر. العصر يتغير والمعاني تستجد. فبالأحرى أن تتغير الألفاظ وان تستجد. وبالأحرى أن تلاحق الأقلام هذا التجدد والتجدد ضربة لازب للتطور. ولا يحدث تطور إلا إذا لم يعزل القديم إلى (الانتكخانة) المتحف ويؤتي بالجديد. فقطار العمران اليوم غير قطار البادية منذ قرون. وطائرة هذا القرن غير الأطيار التي كنا نحسدها على ملكية

<<  <  ج:
ص:  >  >>