للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعندي أن الذين يبحثون عن موضوعاتهم في غير بيئتهم لا يضربون لنا مثلاً لما نسميه (الامتيازات) في الأدب؛ بل للاستعمار في الأدب. فمادام الأسلوب عربياً، والصبغة والنزعة عربيتين؛ فلن يضير الشاعر أن يفتش أرجاء العالم في سبيل البحث عن موضوعه، أو عن استعاراته أو معانيه. والذي قد يعاب على الكاتب العربي هو هذا الولع باصطلاحات غربية تبدو للعربي بادية السخف، مثل قولهم (كوبيد رماني بسهم) أو ما شاكل ذلك من الاصطلاحات التي لا طلعت ولا نزلت. وليست عبادة الغربيين مقصورة على شعرائنا بل هي كذلك شائعة في سائر الكتاب ورجال السياسة. فكل نغمة - مهما كانت سخيفة - مطربة لهم مادامت خارجه من قيثارة غربية. وكل حكم نافذ مادام صادراً من محكمة غربية. وأكبر عار على الأديب المصري أن يكون إلمامه بأدب الغرب أكبر من إلمامه بأدب الشرق.

والآن ما خطب تلك القصيدة التي أريد أن أثأر بها منك: والتي موضوعها (نهر في جبال الألب)؟ إنها ليست من جليل الشعر ولا خطيره، ولكني مادمت أرسلها إليك للتنكيل بك فلن أهتم بتنقيحها وتهذيبها. فهاكها:

يحار لبي إذ أرى ... مَسيلَ هذا الجدول

وإذ أرى انحداره ... يسبق لَْمح المُقل

لا يستقر في المس ... سير لحظةٍ بمنزل

كأنه مُندفعٌ ... بالخوف أو بالأمل

أو سائر لغاية ... بعزمة لم تُفْلل

ينقض في انسيابه ... مثل هُوِيِّ الأجدل

مِن مَدْفَع لمدفع ... وجندل لجندل

فاعجب لماء شبمٍ ... يجيش مثل المرْجل!

مصطخب مضطرب ... محتدم منفعل

وهائج في مائج ... ومدبر في مقبل

وعابس في ضاحك ... ومنجد في مسهل

وأول في آخر ... وآخر في أول

<<  <  ج:
ص:  >  >>