للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولا لفظ جميل أو قبيح، ولا يصف إحساساً صادقاً أو زائفاً، ولا يوضح تقليداً ولا تجديداً

والطلبة يستمعون إلى هذه الدروس الجامدة في ضيق وملل، وينظرون فإذا إخوانهم في الأقسام الآخر يتلقون دراسة حية للأدب تعني أكبر العناية بالفن ومظاهره، وتقارن مقارنة دقيقة بين الشعراء، وتطلع على ما تصدره المطبعة كل يوم من كتب جديدة. ينظر الطلبة إلى هذه الدراسة الحية في الأقسام الأخرى، ثم ينظرون فإذا الأدب في قسمهم وثائق تاريخية، وإذا دراسة النقد الأدبي تقصر على طلبة الامتياز ابتداء من السنة الثالثة ليتلقوا نظرات جزئية في تاريخ النقد عند العرب تبدأ أولاها بأن النقد مشتق من نقد الدينار، أي اختبره ليتبين أزائف هو أم صحيح؟

ويشتد ضيق الطلبة بهذا الجمود، فيؤلفون من بينهم جماعات تدرس الأدب المصري الحديث وتراقب المطبعة العربية فيما تخرج من كتب، يلقى أحدهم بحثاً ويناقشه إخوانه فيه، ثم لا يجدون من أساتذتهم عناية ولا رعاية، ولا يكلف الأساتذة أنفسهم مشقة الاستماع إلى مثل هذه المحاضرات من تلاميذهم، بل أنهم ليوجسون خفية من هذه المحاضرات، ويعتقدون أنها تصرف الطلبة عما ينبغي لهم من جد وما يجب عليهم من إخلاص نحو دراسة الشعر السياسي ونقائض جرير والفرزدق! راجت بينهم خرافة أن كلية الآداب تخرج علماء لا أدباء، وفاتهم أن عالم الأدب لابد أن يكون في قرارة نفسه أديبا، ولابد أن يتابع الآداب في نموها وتطورها، ويربط قديمها بحديثها، حتى يستطيع الحكم ببصيرة نافذة وإحساس صادق على ما يقرأ. راجت بينهم هذه الخرافة، فهم لا يطمئنون كل الاطمئنان إلى الطلبة الذين يبدون ميلا إلى دراسة الأدب الحديث أو المشاركة فيه بالإنشاء؛ تمام كما كان ينظر علماء الأزهر القدماء إلى الشيخ المرصفي وتلاميذه على بعد بين ما كان يدرسه تلاميذ المرصفي وما يدرسه الآن طلبة كلية الآداب. ولن يطمع طالب أن يستطلع رأي أستاذ في قصيدة نظمها أو قصة كتبها أو نقد لكتاب مما يقرأه الناس. لن يطمع طالب في ذلك ولئن فعل فلن يجد اهتماما، ولئن وجد اهتماما فلن يجد غناء!

إن أمثال هذه الدراسات الجافة المربكة التي يمثلها كتاب (تاريخ الشعر السياسي) لتصرف الناس عن قراءة الأدب العربي القديم وتزهدهم فيه، وخير لأساتذة الجامعة أن يروضوا أنفسهم على إرضاء النزعات الحديثة في نفوس طلابهم، فذلك ينفض عن الأدب العربي

<<  <  ج:
ص:  >  >>