للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمة في كل جيل رهفت في بنيها الأحاسيس وذكت الخواطر، وسمت الأرواح. وإن نفس كل امرئ لتظل تهفو إلى الأدب المائع والفن الرائع ما دامت طليقة من إسار المادة وجشع الأثرة وعبودية الروح. وما ركود الأدب في عهد من عهود التاريخ إلا دليل على فقدان القيم الروحية لدى أبناء ذلك العهد المشؤوم. وما ازدهار الأدب في حقبة من الحقب إلا دليل الشعور بالكرامة، وصقل النفس، ورهف الحس، وسمو الروح والتقرب من بلوغ الكمال. فإن أعوز المصلح أن يعترف إلى مقدار التهذيب عند شعب من الشعوب، وأين هو من كرم الخلق فليسبر مدى تذوق بنيه للأدب الرفيع، فقد كان الأدب الرفيع وسيبقى أبد الدهر مقياس الرقي عند الأفراد والأمم على السواء.

ولئن كانت النفوس تنزع بطبيعتها للشرور وتميل للغرور فإن الفنون - على أنواعها - كفيلة بالتلطيف من حدة النزوات وقمينة بتنمية الفضائل، وإن الأدب من الفنون بنوع خاص يصقل النفوس، ويرهف منها الأحاسيس ويحبب إليها الشهامة والإباء والعزة والنبل.

ولقد كان الخلفاء في الإسلام كما كان الملوك والأمراء في الجاهلية يوصون الآباء بتثقيف البنين الشعر والأدب لتسمو أخلاقهم وتدمث طباعهم. وقد بلغ من إعجاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (بلامية العرب) للشنفري الشاعر العداء المشهور أن قال:

(علموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلم مكارم الأخلاق)

وقال أيضاً رضي الله عنه:

(تعلموا الشعر فإن فيه محاسن تبتغى).

ولله در من قال:

وما هو إلا القول يسرى فتغتدي ... له غُرَرٌ في أوجه ومواسمُ

ولولا خلال سنها الشعر ما درى ... بناةُ المعالي كيف تُبنى المكارمُ

وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

(الأدب حلى في الغنى، كنز عند الحاجة، عون على المروءة، مؤنس في الوحدة، تعمر به القلوب الواهية وتنفذ به الأبصار الكليلة ويدرك به الطالبون ما يحاولون)

وقال معاوية بن أبي سفيان:

(اجعلوا الشعر أكبر همكم وأكثر دأبكم فما حملتني على الإقامة ليلة الهدير بصفين وأنا أريد

<<  <  ج:
ص:  >  >>