للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لمن المؤلم حقاً أن احتاج إلى أن أسوق مثل هذا الكلام إلى كاتب أديب كتوفيق قرأ من آثار القدماء والمحدثين مثل ما قرأت على الأقل.

وأما أن توفيقاً ينكر على أن احكم لقصصه بالبقاء، فهذا إسراف منه كثير، فنحن الناقدين أحرار فيما نعرف من ذلك وما ننكر، وفيما نثبت من ذلك وما نمحوه، ومادام الزمان هو الحكم الأخير في هذا كله فيما يضير صاحبنا أن نحكم له أو أن نحكم عليه. واغرب من هذا كله أن يرفض توفيق ما أهديت إليه من ثناء، فليعلم إني لم اهدِ الثناء إلى شخصه ليرفضه أو يقبله، وأن شخصه لا يعنيني إلا قليلاً منذ الآن، وإنما أهديت الثناء إلى فنه ومازلت أهديه اليه، ولن يستطيع هو أن يرده. وكنت احب له أن يرفق بين شخصه الفاني وفنه الباقي.

وأما أنه لا يسمح لأحد أن يحدثه بلغة التشجيع فقد كنت أحب أن يكون أذكى في حياته العملية من أن يشارك رئيس الوزارة في لغته، (فلا أسمح) هذه كلمه يملكها رئيس الوزراء القائم وحده. ولكن الذي يجعل نفسه دولة لا يتردد في أن يستعير لغة الوزراء وهو بعد حر في أن يسمح أو لا يسمح فسنشجعه على رغم منه، لأن فنه يستحق التشجيع، ولأن واجبنا الأدبي يفرض علينا تشجيع المجيدين فرضاً. وأما أنه لا يسمح لأحد بأن يدله على ما يقرأ، وأنه قرأ في الفلسفة القديمة والحديثة مثل ما قرأت على الاقل، فإنني احب أن يعلم أن ما قرأته لا يرضيني لنفسي ولا لغيري، وإني ابذل ما أملك من جهد لأقرأ أكثر مما قرأت ومما قرأ غيري. وأسأل الله أن يقيني وأن يقيه شر الغرور، فهو مهلك للنفوس حقاً. وأما انه اعرف الناس بما ينقصه، وأعلم الناس بما يحتاج إليه من الأدوات وانه لا يحتاج مع ذلك إلى نقد ناقد، فهذا رأيه في نفسه منذ الآن ولا يشرفه ولا يرفع منزلته عند أحد. أما أنا فأرى لنفسي الحق في أن أدل كل كاتب يخرج للناس كتاباً على رأي فيما ينقصه وفيما يحتاج اليه، وهو حر في أن يقبل أو يرفض، ولكني حر كذلك في أن أقول له ما أريد.

أما بعد، فهل صححت موقف توفيق أمام الناس، أم هل ما يزال مضطراً إلى أن يصححه بنفسه؟ أحب أن يعلم توفيق إني لن أرد عليه بعد الآن، ولن أحفل به إلا يوم يخرج لنا كتاباً نقرؤه، ويومئذ سأعلن رأيي في هذا الكتاب سواء رضى توفيق أو سخط، وأنا أرجو أن يكون رأي في كتبه المقبلة حسناً كرأيي في أهل الكهف وشهرزاد. وأرجو بعد هذا كله

<<  <  ج:
ص:  >  >>