للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على رؤوسهم ويقول: (أكل كبدي عمر

وأشرنا في ختام المقال الثاني إلى هناك صلة بين الشعوبية والزندقة ووعدنا هناك ببيان هذه الصلة، وهانحن أولاء نوفي بما وعدنا.

على أننا لسنا هنا في صدد الكلام المفصل في الشعوبية وكل ما يتصل بها، بل همنا أن نعرض بالإيجاز لما يوضح لنا أسباب الزندقة في عهد المهدي العباسي وآثارها وحقيقتها دون تعرض للشعوبية وما يتصل بها من سائر النواحي الأخر.

في زمن النبي عليه السلام بدأ بتوجيه كتبه إلى الملوك والأمراء في شبه الجزيرة العربية وفارس وبلاد الروم، وفيه توجهت بعض البعوث لمحاربة بلاد غير عربية، وفي أبي بكر بعد انتهائه من حروب الردة انطلقت الجيوش العربية الإسلامية شرقاً وشمالا تطرق أبواب مملكة فارس والروم، واستطاعت أن تستولي على بعض بلاد الدولتين، وما كاد عمر يلي الخلافة حتى عبأ الجيوش وقذف بها الدولتين فدك مملكة فارس دكا، وفيها انساحت جيوش قائده الأحنف بن قيس حتى بلغت نهر جيحون، وكاد يعبر النهر مطاردته يزدجرد ملك الفرس ولا أن نهاه عمر عن عبوره اتباعا لسياسته المشهورة التي تقضي إلا تكون بينه وبين جيوش المسلمين مياه، وفتحت جيوش المسلمين في عهده الشام ومصر وقد كان القطران خاضعين لمملكة الروم.

كان يسكن هذه البلاد أقوام من أجيال مختلفة لهم ديانات ونحل شتى وكان من رضى عن الفتح الإسلامي لبلاده، ومنهم من قابله بالحقد والكراهية، فقد كان معنى هذا الفتح سيطرة الجيل العربي على البلاد التي فتحها. وسيطرة الدين الإسلامي على أديان أهل هذه البلاد.

ومن الشائع أن المسلمين في هذه الفتوح إنما كانوا يرمون إلى نشر الإسلام تنفيذاً لفريضة الجهاد في سبيل الله، ولكن هناك أمراً ليس بالشائع وإن يكن غرض آخر من الفتوح، هذا الأمر هو التوسعة بهذه البلاد المفتوحة على سكان شبه الجزيرة من العرب: هو الهجرة من شبه الجزيرة إلى البلاد المفتوحة بعد أن ضاقوا به، ونصيحة عمر بن الخطاب لجنوده الذين وجههم إلى الفرس وتؤيد هذا الرأي، فالفتوح كانت موجة من موجات الهجرة الكثيرة من شبه الجزيرة إلى ما جاورها من البلاد، لكن هذه الموجة تمتاز بأنها تحمل ديناً وتدعو إليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>