للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قد قضى. ولقد كان مرضه انحباس البول، وتورم الرجلين، وقد منع طبيبه كل إنسان، وحال بينه وبين أصدقائه، فعكف فولتير في سريره يؤلف القصص ويكتب الرسائل، ويئن بين الحين والحين أنة لاشك سامعها، في أنها أنة عظيم.

عناية طبيب فولتير بفولتير وعنايته بنفسه بدت نتيجتها، فابل ونقه، وشرع يطبع روايته التي وضعها أثناء المرض وسماها - أرين - وقبل أن تعرض للتمثيل جهد فولتير جهداً عظيماً في تدريب الممثلين وتعليمهم إتقان ادوارهم، ولم تكن صحته قد عادت إليه كاملة، فرماه الكد والتبذل في سرية، فإذا الحمى تدور في جسمه، وهذا صداع شديد يهز جمجمته، وهذا ورمشديد في قدميه، وانحباس موجود في كليتيه، ثم هذا دم يخرج من رئتيه، ثم هاهو ذا يهذي ويصرخ الصرخات الداوية: وطبيبه لم يدر أصل الداء ومنبت العلة، فلجأ إلى الحكمة والدراية. فاستأجر ممرضة صبية جميلة أعجبت فولتير وسر بها كثيراً. أما الصحف فكانت تملأ أعمدتها في الحديث عنه، فإذا أكل فولتير دوى في أفق باريس إن فولتير أكل وإذا شرب فولتير قد شرب. ولم يزل الداء يلح به ويضعف من جسمه ومن حواسه حتى كاد لا يقدر أن يقرأ كتابا أو صحيفة ولا أن يستوي جالساً في سريره. لكن ماذا؟ ها هو ذا فولتير يصح وينشط فلا دم يبصق ولا قدم تتورم وها هو ذا الطبيب قد أذن له بأكل بيضة وقطعة من الخبز، وحسو كأس من الماء ومثلها من الخمر كل يوم. وإذا عادت إلى فولتير صحته فقد عادت إلى الناس المسرات والأفراح. وأما الأطباء فوقفوا وقفة الحائر أمام هذا المرض العجيب وسرعة شفائه. وكان تمثيل الرواية قد تأجل ليشهده فولتير بنفسه، فلما شفى حكم الأدباء والفلاسفة فيها فأعجبوا بها إعجاباً شديداً فمثلت، ولكن فولتير لم يشهد التمثيل فقد سقط مرة أخرى وخيف أن تكون السقطة الأخيرة الهائلة. فعاده الأطباء فوصفوا لبن اتانٍ يتناوله فشفى بعض الشيء، وخرج إلى متنزه الشانزلزيه بعربته، فالتف الناس من حولها هاتفين: ليعش فولتير! ليعش فولتير! وقد كان السعيد منهم من يحظى بشعرة من ردائه.

لكن مما يؤلم أن فولتير أمسى بعد ذلك هائج البال، فاسد الرأي فقد سأل ان يبدلوا الممرضة بأخرى غيرها قائلاً أنى استحي أن اخلع ثيابي أمام تلك الفاتنه، فأبدلت بأخرى. ولكن هاهو ذا المرض يطل عليه زائراً مرة اخرى، ولكن هاهو ذا الشفاء يأتيه عائداً ثانية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>