للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما الرواية (ارين) فقد مثلت ست مرات، وفي الأخيرة تجلت عظمة فولتير وكبر نفسه واضحين وقد شهدها فولتير، فلما انتهى التمثيل قام الشباب وجعلوا يتمسحون به ويلثمون يديه ويهتفون باسمه، ووصل إلى منزله تلك الليلة وما احسب أن أحداً وصل في الدنيا ليلاً إلى منزله وصوله.

أفاق الناس صباح ٢٣ أيار من سنة ثماني وسبعين وسبعمائة وألف، فإذا هم يتحدثون أن فولتير قد تورمت قدماه وانحبس بوله واصبح يبصق أفلاذ كبده وانه لا يرجى له شفاء.

وحقاً لقد وقع فولتير هذه المرة ويأس طبيبه من نجاته، أعاده الماريشال ريشيليو، وصف له دواءً يدفع عنه الأرق فتناوله فولتير دفعة واحدة فتعقد داؤه وعز دواؤه.

أضحى فولتير بعد هذه السقطة فارغ الصبر ضيق الصدر، هلوع النفس متلكئ الجسم يسب من حوله، ويضرب ممرضته، ويجافى حفيدته، وينظر إلى الناس بغير العين التي كان ينظر بها إليهم وكان يصرخ بين الحين والحين صراخاً عظيماً احتار في تعليله الأطباء، ولم يعرفوا إلى شفائه من سبيل. وممرضته كلت وملت وأسلمته إلى يد القدر إلا قليلاً. وأشار عليه صيدلي أن ينشق الأفيون، ففعل دون أن يدري طبيبه. والأفيون أنامه إنامة طويلة استفاق بعدها فإذا معدته لا تهضم اللبن الرائب. ومر به جراح شهير يدعى (ترى) وفحص مثانته وكليتيه وتوصل بحيلته وحدة ذكاءه ان يفتح للبول طريقاً بواسطة أنبوب طبي. وارتفعت درجة حرارته بعد ذلك كثيراً فأرقدوه في الجليد فما أفادوا شيئاً!!

وا حسرتاه! لقد فقد فولتير عقله أو كاد! لقد أضحى يرجع إلى أحشائه من فيه ما يخرج من احشائه، فكانت حفيدته تبكي كثيراً وتقبل عليه وتقول: مسيو فولتير! مسيو فولتير! لقد كنت مثال النظافة فانظر إلى أية حال مؤلمة قد صرت.

ومن الأطباء الذين اعتنوا بفولتير كثيراً ترونشين طبيبه الخاص وبلوري وتياري. وقد بذل هؤلاء الأطباء الحكماء أقصى ما وهبوا من حيله وذكاء لشفائه، فخاب سعيهم وما ازدادوا إلا جهلاً بالداء. ودخلوا عليه ذات ليله فإذا هو حائل اللون، ازرق الشفتين متصلب اليدين والقدمين، فأخذوا يعالجونه ساعة حتى أفاق وقال: آه! دعوني أسير إلى ربي. ثم اخذ يصيح صياحاً شديداً تهتز له النفس، وتسيل له الأفئدةهولاً وجزعاً. فعلل أطباؤه صراخه بوجع شديد لا يعرفون مصدره، وخافت الممرضة إذ رأته على هذه الحال، وخاف الأطباء

<<  <  ج:
ص:  >  >>