للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جيوردانو برونو]

لألفرد فيبر.

للأستاذ عبد الكريم الناصري

ولد جيوردانو برونو في مدينة (نولا) - القريبة من نابلي - سنة ١٥٤٨. وقد أنضم في صباه إلى الأخوة الدومنيكية؛ ولكن شغفه العميق بالطبيعة، وتأثره بكتابات (ليقولا الكوسيّ) و (ريموند لولوس) و (تيلسيو) سرعان ما حولاه عن حياة الرهبنة وعن المذهب الكاثوليكي. ثم ذهب مطوفاً في الآفاق، فزار جنيف وباريس ولندن، وزار ألمانيا فشرّق فيها وغرّب. ولكن البروتستانتية لم تقنعه أكثر مما أقنعه مذهب آبائه. وعند عودته إلى إيطاليا ألقى القبض عليه بأمر من محكمة التفتيش، وسجن عامين، ثم أعدم حرقاً في روما.

كان برونو أول ميتافيزيقي - في القرن السادس عشر - قبل نظرية مركزية الشمس بلا تحفظ. وكان ينظر إلى أفلاك أرسطو وتقسيماته للعالم على أنها محض أوهام. فليس للمكان مثل هذه الحدود التي رسمها له أرسطو، هذه الحواجز المنيعة التي تفصل عالمنا عن ملكوت علوي خاص بالملائكة، والأرواح المحضة، والكائن الأعلى. ما السماء إلا الكون الذي لا حد له، وما النجوم الثوابت إلا شموس تحيط بها كواكب سيارة، ترافقها توابع أو أقمار. والأرض كوكب من هاته الكواكب، ليس غير، فما تشغل مكاناً مركزياً ممتازاً في السماء. ومثل ذلك يقال في شمسنا، لأن الكون نظام من أنظمة شمسية.

وإذا كان الكون غير متناه فينبغي أن نقول: إنه لا يمكن أن يكون ثمت لا نهايتان؛ ولكن وجود العالم لا يمكن أن ينكر؛ إذن فالله والكون شيء واحد. وبرنو - لأجل أن يتخلص من تهمة الإلحاد - يميز بين الكون والعالم: فالله، أو الوجود اللانهائي، أو (الكون)، هو مبدأ (العالم) أو علته السرمدية: هو الطبيعة الطابعة (أو الطبيعة مصدراً أما العالم فهو كلية معلولات الله أو ظواهره: هو الطبيعة المطبوعة (أو الطبيعة معلولا وفيلسوفنا يرى أن من الإلحاد أن يعتبر الله والعالم شيئاً واحداً، إذ ليس العالم إلا مجموع الكائنات الفردية، والمجموع ليس بكائن، وإنما هو لفظ فحسب. فأما اعتبار الله والكون شيئاً واحداً فليس بإنكار له، وإنما هو، على الضد من ذلك، تعظيم له، لأنه توسيع لفكرة الكائن الأعلى إلى ما وراء الحدود التي يفرضها عليه هؤلاء الذين يتصورونه كائناً (بجانب) الكائنات الأخرى:

<<  <  ج:
ص:  >  >>