للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دون غيرها، وأن التناسق في هذه النسب اصدق من أجرام المادة الملموسة باليدين، وأن الأصح في تركيب الذرة أن يقال انه (عددي) لا أنه (مادي) ملموس

وإذا قال فيثاغورس هذه المقالة قبل خمسة وعشرين قرناً، فليس من حقه أن توصف مقالته بالفراغ وهي أملأ من فروض العلماء بعده في معنى الوجود وفوارق الأجسام، وهي على أضعف الأحوال أدق من قول بعض العلماء إن أصل المادة أثير

وكان الفلاسفة يبحثون في العقل والمادة من عهد الفراعنة إلى عهد اليونان إلى عهد العرب إلى عهد الأوربيين المحدثين

يسأل سائل: أهما محدثان أو قديمان؟

ويسأل آخر: وإذا كانوا محدثين فمن الذي أحدثهما؟

ويسأل غيرهما: وإذا كانا قديمين فكيف يتفق قديمان ليس لواحد منهما بداية ولا نهاية؟

ويعود هذا السائل أو ذاك فيقول: وإذا كان أحدهما سابقاً للآخر وموجوداً له فأيهما الأول وأيهما الثاني في ترتيب الوجود؟

ويفترق المجيبون فيقول فريق منهم: إن الحيوان ظهر بعد الجماد وإن الإنسان ظهر بعد الحيوان، فالمادة أذن اسبق إلى العقل من الترتيب

ويقول آخر: إن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن العقل أشرف من المادة، فهي لا تخلقه وهو أولى بأن يخلقها ويسبقها في الوجود على الأقل سبق العلة للمعلول

كلام فارغ هذا؟

أهو كلام لا يعنينا ولا يدخل في حسابنا؟

كلا. . . لأن التفسير المادي للتاريخ مذهب عمليٌّ في الحياة الاجتماعية قام على القول بأن المادة هي القديمة وأن العقل هو الحديث، وتوطدت عليه دعوة (كارل ماركس) التي فعلت بعد ذلك الأفاعيل في مجرى السياسة العالمية وفي مجرى العلاقة بين الطبقات، ولو استطاع فيلسوف أن يقنع الإمام وأتباعه بقدم العقل وحدوث المادة لتغير تاريخ الكرة الأرضية وتغيرت نظرات الملايين من الناس إلى الحياة

فهذه الصناعة التي تسمى بالفلسفة لا تغادر الطبيعة كل المغادرة ولا تنطلق منها إلى ما وراءها بغير رجعة إلينا في حياة الغذاء والكساء

<<  <  ج:
ص:  >  >>