للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونحن لا نجادله لكننا نسائله (إن على (عالمنا) أن نسأله)؟،

ألا يرى دكتور محمد - وقد عاود التفكير في بحثه - أن سبب التعقيد في شعر المتنبي - وكثير منه هو في قرزمته - لم يكن ما فسر

وأن من أسبابه كون الرجل مولدا (قد تعلم العربية تعلمنا أباها في هذا الزمن) لا جاهليا أو إسلاميا يلهم تأليف القول إلهاما وأنه ما كان يفكر في القافية ليبني عليها البيت كدأب حبيب، وأن كبرياءه كانت تأخذ ما يجي في بعض الأوقات فلا يعني بتقويمه، وأنه كان يستعجل في النظم، وقد أشار ابن جني في (الخصائص) ص ٣٣٢ إلى هذه السرعة. ثم إن المعاني الجديدة ليست كالمعاني المتعاورة المعهودة سهلة التبيين، وانظر إلى ابن خلدون حين كتب وابن المقفع لما نقل. وإني لأتذكر أن العلامة الدكتور طه حسين بك شبه في أحد مباحثه كلام ابن المقفع بكلام العربانيين (الفرنج المستشرقين) لاضطرابه واختلال نظامه. وعذر عبد الله وعبد الرحمن عند المنصفين ظاهر مبين.

هل يرى دكتور محمد أن مئات من الأبيات المعقدة والمهلهلة في طائفة من قصائد المتنبي - لا بضعة الأبيات التي أوردها أمثلة - يذهبن حسنات المقصدات ذوات الألوف من الأبيات المحكمة المحققة؟

وإذا استبشع صورة هذا البيت في قصيدة، والأذواق تختلف:

قد سودت شجر الجبال شعورهم ... فكأن فيه مسفة الغربان

فهل يستملح هذه الصورة في القصيدة عنها:

في جحفل ستر العيون غباره ... فكأنما يبصرون بالآذان

ألا يرى الدكتور محمد أن السيفيات والكافوريات والعضديات قد اشتملن على معان متنوعة، ومقاصد مختلفة، وتجلى فيهن خيال صالح، ووعين صورا رائعة للقارئين، وأنه لم تسلم من العيوب قصائد يقدرها لشاعر من الشعراء أكثر من سلامتها. لنأخذ تلك القصائد ولنترك ما نظم الرجل من قبلها وإن كان تاليه يجد فيه شيئا عظيما باهرا.

ماذا يعزو دكتور محمد بقوله: (فإعجابنا شعر المتنبي إعجاب عقلي محض أو بعبارة أخرى إعجاب بالصياغة) فان هاتين الجملتين متعادلتان لا تلتقيان. وإن قصد بالصياغة ما بعينه مغزى الكلمة في هذا لباب فإعجاب العرب بشاعرهم لم يجئ من صوب صياغته، ولو

<<  <  ج:
ص:  >  >>